تشير جميع المؤشرات حتى الآن إلى نقص مستمر في العملات الأجنبية، وخاصة الدولار الأمريكي، حتى بعد أن اتخذت حكومة السيسي عدة إجراءات في الأشهر الأخيرة لتقليل اعتماد الاقتصاد الوطني على الدولار، بحسب “العربي الجديد”.
وارتفعت قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملة المحلية في السوق المصرية غير الرسمية بشكل كبير خلال الأسبوعين الماضيين، وهي ضربة كبيرة لاقتصاد البلاد المتعثر بالفعل، ويعتقد أن الزيادة هي نتيجة مباشرة للحرب الإسرائيلية المميتة المستمرة على قطاع غزة المحاصر المجاور.
الدولار الأمريكي الواحد يساوي رسميا حوالي 30.90 جنيها مصريا، في حين تتراوح قيمته مقابل السوق السوداء للعملة المحلية بين 45 و 47 جنيها مصريا وقت النشر، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ومعظمها مستوردة، بشكل كبير.
وقال الباحث الاقتصادي أحمد عبد الظاهر لصحيفة العربي الجديد: “الحرب بين إسرائيل وغزة هي أحد العوامل التي تسببت في خسائر فادحة في الجنيه المصري ، مما أدى إلى انخفاضه إلى مستوى قياسي، لكن هذا ليس السبب الوحيد وراء انخفاض قيمة العملة المحلية”.
وأوضح: “ربما تكون مصر على رأس دول المنطقة المتأثرة بالقتال الدائر بين حركة حماس الفلسطينية التي تحكم قطاع غزة، حيث زادت الحرب من المخاطر الجيوسياسية على البلاد”.
وتشير جميع المؤشرات حتى الآن إلى نقص مستمر في العملات الأجنبية، وخاصة الدولار الأمريكي، حتى بعد أن اتخذت حكومة السيسي عدة إجراءات في الأشهر الأخيرة لتقليل اعتماد الاقتصاد الوطني على الدولار.
وستنضم مصر رسميا إلى مجموعة بريكس الناشئة في وقت لاحق من عام 2024. وفي وقت سابق من هذا العام، أضاف البنك المركزي الروسي الجنيه المصري إلى سعر الصرف الروسي، ومع ذلك، فإن هذه التدابير لم تؤت ثمارها.
وكانت مصر قد فتحت في وقت سابق الباب أمام المعاملات التجارية الخالية من الدولار من خلال اتفاقيات ثنائية مع روسيا والصين والهند، وهي خطوة قد تساعد في تعزيز إدراج الجنيه المصري في المعاملات المالية الدولية مع دول البريكس، التي تسعى أيضا إلى إنهاء هيمنة الدولار.
وقال عبد الظاهر: “ينظر إلى مصر ، وهي عضو في بريكس في المستقبل القريب ، على أنها خطوة مهمة في الحد من هيمنة الدولار ، وهو ما انعكس على قيمة الدولار في السوق السوداء لبضعة أسابيع. لكن الأمر لم يعد كذلك”.
الدولار لا أكثر؟
تكافح العملة المحلية المصرية منذ فترة طويلة مقابل الدولار الأمريكي، بسبب الإجراءات الاقتصادية المثيرة للجدل التي اتخذتها حكومة عبد الفتاح السيسي في وقت لجأ فيه المستوردون إلى السوق الموازية لتأمين حاجتهم إلى الدولار.
في أكتوبر من العام الماضي، طبق البنك المركزي المصري مرونة في سعر الصرف، مما سمح بتنظيم قيمة الجنيه من قبل قوى السوق.
علاوة على ذلك، اتخذت حكومة السيسي بعض التدابير الاستفزازية التي تسببت في ضجة بين المصريين الذين يعيشون في الخارج أو غيرهم من المسافرين لقضاء وقت الفراغ، والحد من استخدام بطاقات الائتمان إلى 250 دولارا أمريكيا فقط في الشهر، وحظر استخدام بطاقات الخصم للسحب النقدي في الخارج.
لم يعد بإمكان المواطنين الحصول على الدولار من البنوك المصرية أو مكاتب الصرافة، في حين كان عملاء البنوك الوطنية ملزمين باستلام سحوباتهم بالدولار الأمريكي بالعملة المحلية بدلا من ذلك، مما دفع الكثيرين إلى الامتناع عن امتلاك حسابات بالدولار الأمريكي.
وقال تاجر في سوق الظل، رفض الكشف عن اسمه بسبب أنشطته غير القانونية، لـ”العربي الجديد”: إن “القرار الأخير بالتحكم في استخدام بطاقات الخصم والائتمان في الخارج تسبب في أن يكون العرض أعلى من الطلب، مما جعل سعر الدولار الأمريكي يرتفع حتى على مدار الساعة وليس يوميا”.
وأوضح عبد الظاهر أن “العديد من المصريين حاولوا أن يكونوا بارعين من خلال سحب النقود بالدولار الأمريكي من ماكينات الصراف الآلي في الخارج بالسعر المحلي أو شراء السلع وبيعها في مصر عبر بطاقات الائتمان والخصم”.
ولكن في الوقت نفسه، أثر قرار حكومة السيسي الأخير سلبا على المصريين الذين يدرسون في الخارج وأسرهم وكذلك الشركات، مما دفعهم إلى السعي للحصول على الدولار الأمريكي من خلال قنوات غير رسمية واستخدام النقد في الخارج في البلدان التي لا يستخدم فيها الناس النقد كثيرا.
الاضطرابات الاقتصادية
وفي الوقت نفسه، قال مصدر رسمي رفيع المستوى لـ”العربي الجديد” شريطة عدم الكشف عن هويته لعدم السماح له بالتحدث إلى وسائل الإعلام: إنه “حتى كيانات الدولة تسعى حاليا للحصول على الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية الأخرى من خلال السوق السوداء للتعامل مع صفقاتها”.
وأضاف المسؤول “مساعي الحكومة الأخيرة للحد من هيمنة الدولار الأمريكي لا يمكن اعتبارها ناجحة لأن سعر صرف الدولار في سوق الظل لم يتوقف عن الارتفاع”.
مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم ، وقد تم إلقاء اللوم على مشاكلها الاقتصادية الحالية على عوامل خارجية مثل الحرب الروسية على أوكرانيا ، والتي أثرت بشدة على الإمدادات العالمية من المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى.
على مدى الأشهر الماضية، بدأت حكومة السيسي في بيع أصول الدولة إلى دول الخليج الغنية، بما في ذلك الشركات المملوكة للجيش، لجذب العملات الأجنبية وتحرير الاقتصاد من سيطرة الدولة، وهو مطلب كبير لبرنامج القروض بقيمة 3 ملايين دولار الذي تم توقيعه مع صندوق النقد الدولي.
وقد تفاقم الوضع بسبب الفساد المستمر وفورة الاقتراض لمدة ثماني سنوات، والتي شهدت إنفاق الدولة الأموال على مشاريع “الفيل الأبيض” مثل العاصمة الإدارية الجديدة.
وتواجه مصر تضخما قياسيا، مما يجعل من الصعب على البلاد سداد ديونها الخارجية، ارتفع الدين الخارجي المصري بنسبة 5.1 في المائة خلال الربع الرابع من عام 2022، ليصل إلى 162.94 مليار دولار، بزيادة إجمالية قدرها 10 مليارات دولار عن الربع السابق، وفقا للأرقام الرسمية.
https://www.newarab.com/news/us-dollar-value-egypts-black-market-rises-amid-gaza-war