جاء الجدل المتصاعد ، خلال اليومين الماضيين، حول مسودة خطاب تسليم تيران وصنافير، للسعودية، ليعيد للمشهد المصري الكثير من النكاية والتحسر، عن نتاج سياسات المنقلب السيسي، التي خلقت اوضاعا تفرض على مصر الكثير من الاشتراطات والوصاية على سيادة مصر على اراضيها، والتي تسبب فيها قرار السيسي المنافي للوطنية والقانون والدستور، بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، مقابل المساعدات المالية لنظام السيسي الفاشل.
ومؤخرا، أرسلت مصر إلى كل من الرياض وتل أبيب نسخة أولية من خطاب التسليم النهائي لجزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، وهي خطوة إجرائية متمثلة في إرسال خطاب رسمي مصري إلى الأطراف ذات الصلة، ممثلة في السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل، نظرًا لأن المنطقة خاضعة لتفاهمات معاهدة الموقعة عام 1979، بهدف إيداعه في الأمم المتحدة.
الصياغة المصرية
إلا أن الصياغة المصرية لاقت اعتراضات من الجانبين السعودي والإسرائيلي، بسبب بعض المصطلحات المتعلقة بالإجراءات المترتبة على الوضع الجديد للجزيرتين، إثر انتقال السيادة عليهما بشكل رسمي إلى السعودية.
ترتيبات وصلاحيات
وجاءت الاعتراضات الإسرائيلية والسعودية حول عبارتين متعلقتين بالترتيبات الأمنية والصلاحيات المصرية بشأن مضيق تيران، والمنطقة المطلة عليه من الجانب المصري، الخاضعة للترتيبات المتفق عليها ضمن المنطقة “ج” في الملحق الأمني لمعاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية الموقعة في عام 1979.
وهذه المنطقة يحظر الوجود العسكري المصري فيها، وتتم مراقبة الوضع عبر قوات حفظ السلام متعددة الجنسيات، وأكد الجانب المصري في الصياغة المقترحة التي وُجّهت للمسئولين في السعودية، ما وصف بتفاهمات ملحقة بالاتفاق الموقع بين الرياض والقاهرة في عام 2016 بنقل تبعية الجزيرتين.
ونصت تلك التفاهمات على أن دخول الاتفاقية حيز التنفيذ لا ينهي مبررات حماية مصر لتلك المنطقة في إطار دواعي الأمن القومي، ضمن المسئولية المصرية عن ذلك، وهذه الصياغة لم تحظَ بقبول سعودي، إذ طلبت الرياض تعديلها بصياغة أكثر وضوحًا تحدد أطر وحدود المسئولية المصرية، وفقًا لـ “العربي الجديد”.
إسرائيل
وجاء الاعتراض الإسرائيلي فيما يخص بعدم حسم الترتيبات الأمنية البديلة لتلك التي تضمنتها اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، مع طلب تل أبيب اتفاقًا واضحًا مع مصر والسعودية برعاية أمريكية، بشأن ترتيبات الأمن في تلك المنطقة بما لا يعرض مصالحها للخطر.
وعلى الرغم من إيداع السعودية لاتفاقية تعيين الحدود البحرية مع مصر لدى الأمم المتحدة في عام 2017، إلا أن الرياض متمسكة بإتمام كافة الخطوات من الجانب المصري، وآخرها إيداع مصر من جانبها خطاب نقل تبعية الجزيرتين في وقت لم يتم فيه حسم الترتيبات الأمنية الملحقة في ظل الوضع الجديد للجزيرتين.
في المقابل، تطالب تل أبيب بترتيبات أمنية وتنسيق واسع على المستويين الأمني والعسكري مع الرياض التي آلت إليها تبعية الجزيرتين، وهي الترتيبات التي تتطلب تطبيع العلاقات بين الجانبين.
اتفاق العار
ووقعت مصر والسعودية في إبريل 2016 اتفاقية لتعيين الحدود البحرية بين البلدين، تم بموجبها نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية.
وفي يونيو 2017، نشر مجلس الوزراء تقريرًا بعنوان “أبرز تساؤلات ونقاط التحفظ حول اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية”، ذكر فيه أن “الاتفاقية تنهي فقط الجزء الخاص بالسيادة ولا تنهي مبررات وضرورات حماية مصر لهذه المنطقة لدواعي الأمن القومي المصري السعودي في ذات الوقت”.
وأكد التقرير أن فهم الجانب السعودي تمحور حول ضرورة بقاء الإدارة المصرية لحماية الجزيرتين وحماية مدخل الخليج، وأقرّ في الاتفاقية ببقاء الدور المصري إيمانًا بدور مصر الحيوي في تأمين الملاحة في خليج العقبة.
وهذه الأسباب كانت ولا تزال وستستمر في المستقبل. وأوضح التقرير الفرق بين الملكية والسيادة، مشيرًا إلى أن “ما قامت به مصر منذ دخول الجزيرتين لا يتعدى أعمال الإدارة بهدف تنظيم وحماية الجزيرتين، وتسيير أمورهما، خصوصًا من النواحي الأمنية من دون أن يكون هناك أي نية لمباشرة أعمال السيادة عليهما أو اعتبارهما جزءًا من أراضيها. ولا يمكن الحديث عن اكتساب هذه السيادة بوضع اليد لفترة طويلة، لأن القانون الدولي لا يعترف بمفهوم “وضع اليد” أو “التقادم”.
وكانت خريطة مصرية قد ظهرت في خلفية لقاء جمع بين قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان منتصف أكتوبر الماضي، وقد أثارت الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر والسعودية، بعدما ظهرت فيها جزيرتا تيران وصنافير ضمن حدود مصر.
وتقع جزيرتا تيران وصنافير، عند مدخل مضيق تيران الإستراتيجي الرابط بين البحر الأحمر وخليج العقبة، وقد ظلتا لعقود خاضعتين للإدارة المصرية منذ عام 1950 بناءً على طلب من السعودية آنذاك لحمايتهما من التهديدات الإسرائيلية.
وفي عام 1967، احتلت إسرائيل الجزيرتين بعد حرب يونيو من العام نفسه، وظلتا تحت سيطرتها حتى عام 1982، عندما انسحبت بموجب معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
في السياق، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، عبد الله الأشعل: إن “قضية تيران وصنافير أصبحت بالنسبة للسعودية قضية من الماضي، إذ تتعامل الرياض على أساس أن الجزر باتت سعودية بالكامل، من دون أي علاقة لمصر بها، وقامت بتغيير جميع الأوراق الرسمية والتعاملات ذات الصلة لتؤكد أن تيران وصنافير جزر سعودية، ما يعكس قناعتها النهائية بالسيادة السعودية عليها”.
وأضاف الأشعل أن “كل الحديث عن هذه القضية أو الشكليات المرتبطة بها لا أهمية كبرى له، لأنها أمام القانون وفي جميع الأوراق والجهات الرسمية باتت جزرًا سعودية بشكل كامل”.
أموال السعودية
وعلى الرغم من أهمية المنحى المصري الجديد بالتمسك بوجود لها على صعيد تأمين الجزيرتين المهتين للأمن القومي المصري، إلا أن خبراء ومراقبين يتوقعون أن يلين “الرز السعودي” الموقف المصري، إذ ينتظر السيسي ونظامه المتهاوي بفارغ لصبر، ضخ السعودية نحو 15 مليار دولار وعد بها محمد بن سلمان، خلال زيارته الأخيرة للقاهرة، ولكنه كان قد اشترط مهلة من الوقت انتظارا لتعويم مرتقب للجنية المصري، بعد أن قدمت مصر تطمينات كبيرة للمستثمرين السعوديين، عبر اتفاقية الحماية، التي تحمي الأموال السعودية بمصر، بغض النظر عن أي تغيرات.
ومع استمرار تلكؤ السعودية في ضخ الدولارات، يبدو أن السيسي لم يعد يجد في جعبته سوى ورقة الترتيبات النهائية لتسليم الجزيرتين المصريتين للسعودية، والتي تدخل إسرائيل وتعيدها للتحكم بالأمن البحري في البحر المتوسط.
وهو ما سيتكشف خلال الأيام المقبلة، ويتضح إن كان موقف مصر الأخير مبدأي، أم محاولة للابتزاز لأموال محمد بن سلمان؟.