يفاقم وقف التمويل الأميركي المأساة الإنسانية في سورية، بعد حرب قاسية، وخصوصاً أن النسبة الأكبر من السوريين في حاجة إلى مساعدات
لا يلغي الأمل الذي شعر به السوريون عقب سقوط نظام بشار الأسد الأزمة الإنسانية الكبيرة التي تشهدها البلاد. وكان منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية، آدم عبد المولى، قد أعلن أن سورية تمرّ بمنعطف حيوي في هذه الحقبة الجديدة، موضحاً أن النزاع المستمر في البلاد ترك 16.5 مليون شخص في حاجة للمساعدات الإنسانية. وأكد أن الوضع الإنساني في سورية يتطلب استجابة عاجلة.
وكان لتجميد الولايات المتحدة الأميركية التمويل الإنساني أثر كبير على المساعدات، وخصوصاً في شمال شرق سورية، إذ توقفت 26 منظمة غير حكومية من أصل 42 عن العمل، ما أدى إلى تراجع نسبة الاستجابة الإنسانية في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، إذ لم تتلق سوى 11.7% من التمويل المطلوب.
يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية، خالد تركاوي إن الإحصائية الصادرة عن الأمم المتحدة منطقية، كونها مستوحاة من النسبة التي تشير إلى أن 80% من الشعب السوري يرزح تحت خط الفقر، وبالتالي تحتاج هذه النسبة إلى مساعدات تعليمية وصحية وغذائية وخدمات عامة كالكهرباء والمياه. يضيف أن سورية كلها تحتاج إلى مثل تلك المساعدات.
ويتفق معه الخبير الاقتصادي مجدي الجاموس، قائلاً إن نسبة من يحتاجون إلى مساعدات إنسانية تفوق نسبة الفقراء، لأن ذوي الدخل المحدود والمتوسط باتوا في حاجة إلى تلك المساعدات، في ظل الظروف الاقتصادية التعيسة التي تمرّ بها البلاد، والتي تتباطأ فيها حركة دوران عجلة التنمية الاقتصادية والعمل. بالتالي، فحتى أصحاب المحلات والبسطات والمشاريع الصغيرة يعانون ضعفاً كبيراً في الواردات والإنتاجية، وهذا يعني دخول هذه الشريحة من المواطنين أيضاً في خانة طالبي الحاجات الإنسانية. ويعزو سبب ازدياد هذه النسبة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى ضعف البيئة الأمنية للعمل، بالتزامن مع غياب البيئة التشريعية والقانونية، والتغييرات المستمرة من قبل القائمين على إدارة المؤسسات الاقتصادية، وتقلبات سعر الصرف، ما خلق حالة من غياب الرؤية للعمل والاستمرار، بدليل وجود عزوف كبير عن التوسع في الأعمال وجذب المستثمرين، سواء من الداخل أو الخارج.
إيقاف المساعدات الإنسانية
ويؤكد الجاموس أن "إيقاف المساعدات الأميركية في شمال شرق سورية سيؤثر في عدد كبير جداً من المنظمات الدولية وآلية عملها في تلك المناطق، ما سينعكس سلباً على استقرار الوضع الأمني، وسيكون المواطنون الأكثر عوزاً أشد المتأثرين. ومن المتوقع أن يتحول جزء كبير منهم إلى سارقين ومجرمين وعمال غير شرعيين، ليتمكنوا من الحصول على قوت يومهم".
ويشير تركاوي إلى أن الولايات المتحدة الأميركية أوقفت المساعدات الخارجية بالمجمل وفقاً لخطتها في المرحلة المقبلة، علماً أنها تعتبر أكبر داعم ومتبرع للشعب السوري في مجال المساعدات الإنسانية. ويرى أن لهذا أثر بالمشاريع الكبرى، مثل مشاريع مراقبة المياه، والكهرباء، والتعليم، والمستشفيات، وما إلى ذلك، وهذا سينعكس سلباً على شريحة كبيرة من السوريين في حال إيقاف الأجور التي تقدمها المنظمات للعاملين في المجال الإنساني والإعلامي وبعض المعلمين في الشمال السوري. وسيكون لهذا الأمر تبعاته ليس على المعلمين فقط، وإنما على المدارس والطلاب أيضاً. وكذلك الأمر في حال أوقفت بعض المشاريع المتعلقة بمراقبة جودة المياه، وخاصة في المناطق آنفة الذكر، فإن ذلك سيؤدي إلى تلوث المياه، ما سينسحب على جميع المؤسسات التي تشرف عليها المؤسسات الممولة من الحكومة الأميركية، محذراً من تزايد شريحة العاطلين عن العمل جراء تلك الإجراءات في تلك المناطق.
ما البدائل؟
يعتبر تركاوي أن المساعدات التي رفعها الاتحاد الأوروبي المقدرة بـ 300 مليون يورو لا تكفي، وبذلك تكون الدول العربية هي البديل المرجح. على سبيل المثال، قدمت قطر منحة الغاز إلى سورية، ويمكن للإمارات أن تقوم بالمثل، بالإضافة إلى السعودية التي أقامت جسراً جوياً منذ سقوط نظام الأسد. ويشير إلى أن الحرب وتفاصيلها أدت إلى تراجع الاقتصاد السوري، في ظل تخصيص التمويل لدعم العمليات العسكرية، وتهدم البنى التحتية والهجرة، وما إلى ذلك. لكن لا تعد فترة الثلاثة أشهر التي تلت سقوط النظام كافية للحكم على الوضع الاقتصادي السوري، ولكن قد يلمس السوريون تحسناً بالخدمات بعد عام ونصف العام أو عامين على الأقل.
أما الجاموس فيعتبر أن البدائل تتمثل بالتوجه إلى المواطنين الأكثر عوزاً، وتحويلهم إلى مواطنين عاملين منتجين أكثر من كونهم مستهلكين، ويكون ذلك من خلال وسائل عدة، منها منح مساعدات من منظمات محلية أو مصارف كمصرف التسليف على سبيل المثال. ومن الممكن إنشاء بنك للفقراء كبنك الفقراء البنغالي، الذي يقدم قروضاً قصيرة الأجل للأسر المحتاجة أو ذوي الدخل المحدود، على أن تكون هذه القروض كبيرة برهن شخصي يثبت مكان وجود الشخص، علماً أن هذه الحلول إسعافية، في الوقت الذي يشكل فيه موضوع تنمية الاستثمارات وخلق فرص عمل تحدياً كبيراً في ظل غياب البيئة التشريعية والقانونية والأمنية.
وحول الأسباب التي أدت إلى تراجع الاقتصاد السوري، يرى الجاموس أن نظام الأسد سقط ولكن لم تسقط معه العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، لأن السياسات الحكومية الحالية لا تزال تحت المجهر، ولم يجر تحقيق أي شرط من شروط رفع العقوبات، فلم يجر استغلال نشوة النصر في جذب الاستثمارات وإعادة المغتربين، لافتاً إلى أنه كان في السابق يوجد دول حليفة تساعد النظام البائد على تجاوز تلك العقوبات مثل روسيا وإيران والصين. أما اليوم لم تعد تلك الدول تساعد الحكومة الجديدة، ولا يمكن للدول الصديقة والحليفة حديثاً أن تتجاوز تلك العقوبات وأن تقدم مساعدات لمصرف سورية المركزي بزيادة الاحتياطي النقدي لديه.