بقلم / مصطفى عبد السلام
اختلط الجد بالهزل والحابل بالنابل وعلامات الأستفهام بالأسئلة الشائكة في قضية إغلاق فروع مجموعة شركات "بلبن" الشهيرة للحلويات في مصر، وهو أمر خطير، لأننا هنا بصدد الحديث عن واحد من أغرب وأسرع قرارات الإغلاق والتصفية لرأس مال محلي، والحكم بالإعدام على شركة تتواجد في ثماني دول منها الولايات المتحدة وبريطانيا والخليج، وما أثاره القرار من لغط ومخاوف حول مناخ الاستثمار في الدولة، ليس من زاوية أن القرار أسفر عن تشريد 25 ألف عامل يعولون أكثر من مائة ألف أسرة بقرار مفاجئ وصادم للبعض، لكن فيه إساءة وتشويه للقطاع الخاص المصري ومجتمع الأعمال، وهذا هو الخطر بعينه.
نحن هنا لسنا بصدد إدانة العلامة التجارية أو تبرئتها أو تقييمها من حيث السلامة الصحية، وبيان حجم الجرم الذي ارتكبته من عدمه، فهذه هي مهمة ودور الجهات المسؤولة في الدولة المصرية، لكننا أمام قرار غامض وفوقي، ويحمل عشرات من علامات الاستفهام التي تبحث عن إجابة قاطعة إذا كنا حقاً نريد أن نبعث برسالة طمأنة إلى مجتمع الأعمال المحلي، وكذا إلى المستثمرين الدوليين والمؤسسات المالية والاستثمارية الخارجية التي تسعى الحكومة إلى جذبها للاستثمار في مصر، وتشغيل ملايين العاطلين عن العمل، وزيادة الصادرات، والحد من الواردات عبر تلبية احتياجات الأسواق.
إذا كانت قضية شركات "بلبن" صحية بالدرجة الأولى، فلماذا أطلقنا اللجان الإلكترونية عليها لتلصق بها أحط أنواع الجرائم المالية وأحقرها، وتشوه سمعتها
أول تلك الأسئلة: إذا كانت هناك ملاحظات لهيئة سلامة الغذاء على "بلبن" والعلامات التابعة لها في مصر مثل "كرم الشام"، "كنافة وبسبوسة"، "وهمي"، "عم شلتت"، فلماذا لم يتم منح الشركة فترة لتوفيق الأوضاع والالتزام الكامل بمعايير السلامة والصحة العامة، ولماذا لا يتم استخدام الحسم الذي تم بحق الشركة مع آلاف محال الأغذية والحلويات التي تعمل بلا ترخيص، ولا تحوي منتجاتها بكتيريا وجراثيم فقط، بل فيها سموم قاتلة تخترق أجساد ومعدة المصريين ليل نهار؟
ثاني الأسئلة، إذا كانت قضية شركات "بلبن" صحية واقتصادية بالدرجة الأولى، فلماذا أطلقنا اللجان الإلكترونية على المجموعة الاستثمارية لتلصق بها أحط أنواع الجرائم المالية وأحقرها، والتي تشوه سمعتها وتصورها للرأي العام على أنها تابعة لتنظيمات خارجية تستهدف الإضرار بمصر واقتصادها، أو أنها مؤسسة اجرامية خارجة على القانون؟
وإذا كنا حريصين على تنمية وتشجيع الاستثمار الخاص في الدولة، فهل من اللائق أن نترك تلك اللجان تشوه صورة القطاع الخاص المصري وتربط شركة الحلويات الشهيرة وغيرها من الشركات العاملة في السوق بجرائم مثل الإرهاب وغسل الأموال والتهرب الضريبي وغيرها من الجرائم المالية التي تستوجب تغييب أصحابها خلف السجون لسنوات طويلة؟ بل وجدنا تواطؤاً لتلك اللجان مع مواقع إلكترونية راحت تنشر تقارير عما أسمته بالقصة الكاملة لغسل الأموال مع "بلبن"، وعن الأموال والتمويل المشبوه للشركة، ومزاعم أخرى حول القبض على صاحبها عادل مؤمن.
ثالث الأسئلة: إذا كان تحرك الدولة بهذه السرعة وذاك الحسم في قضية تتعلق بصحة المصريين وغذائهم، فلماذا لا تتحرك بهذه الوتيرة في ملفات أخرى، منها مثلاً الأطعمة الفاسدة المنتشرة في الأسواق، وشركات "بير السلم" التي تصنع الأطعمة والأدوية المغشوشة والمقلدة وتنشرها في الأسواق وبين الصيدليات والمحال التجارية، ويكون التحرك مماثلاً ضد عصابات المستوردين الذين أغرقوا الأسواق بأطنان اللحوم والأسماك الفاسدة والمنتجات منتهية الصلاحية والمضرة بالصحة العامة والبيئة على مدى السنوات الماضية؟
إذا كانت الحكومة بهذا الحسم الشديد مع قضايا تهم الرأي العام، فلماذا لا تتعامل بالصرامة نفسها مع الشركات التي نهبت أموال المصريين ومدخراتهم تحت مسميات مختلفة
رابع الأسئلة: إذا كانت الحكومة بهذا الحسم الشديد مع قضايا تهم الرأي العام ورجل الشارع، فلماذا لا تتعامل بالصرامة نفسها مع مئات الشركات التي نهبت أموال المصريين ومدخراتهم تحت مسميات مختلفة، "توظيف أموال" و"مستريح" و"استثمار إلكتروني" ومنصة FBC، والباقات الاستثمارية وغيرها، وتركتها حتى تنهب مليارات الجنيهات، وبعدها تحركت متأخرة ومن دون جدوى وفشلت في إعادة جزء من تلك الأموال إلى أصحابها، ولماذا لم تتحرك الدولة ضد شركات عقارية شهيرة نصبت على آلاف المصريين في الساحل الشمالي وغيره من المناطق، وماذا عن عصابات سرقة الآثار وتجارة المخدرات وغيرها؟
خامس الأسئلة: إذا كانت الدولة قد أبدت مرونة سريعة مع سلسلة المطاعم الشهيرة مراعاة للصالح العام وحفاظاً على 25 ألف عامل كما تقول، فلماذا لم يظهر هذا التعامل اللطيف واللين مع مئات الشركات التي أغلقتها الدولة في السنوات الأخيرة وشردت آلاف العمال من دون أن يغمض لها طرف؟
وبغض النظر عن الأسئلة المطروحة، فإن الإغلاق المفاجئ والغامض لشركات "بلبن" في السعودية وبعدها مصر أعاد إلى أذهان المصريين حالات مماثلة منها إغلاق شركات توظيف الأموال في تسعينيات القرن الماضي ومنها السعد والريان والهدى، واعتقال رجل الأعمال صفوان ثابت صاحب شركة جهينة ونجله في العام 2021 وإجبارهما على التنازل عن جزء من أسهم الشركة، وقبله بعام اعتقال سيد رجب السويركي رجل الأعمال، وصاحب سلسلة محال التوحيد والنور الشعبية المنتشرة في كل محافظات مصر وغيرها، بتهمة دعم الإرهاب وتمويله والانتماء إلى جماعة محظورة، وهي التهمة التي لاحقت ثابت ونجله ورجال أعمال آخرين.