186 قضية و6 آلاف متهم . السيسي يواصل أكبر موجة محاكمات سياسية في تاريخ مصر الحديث

- ‎فيتقارير

في مشهد يُنذر بتداعيات خطيرة على العدالة والمجتمع، يواصل النظام الانقلابى بقيادة عبد الفتاح السيسي الدفع نحو تصعيد غير مسبوق في المحاكمات السياسية، متجاهلًا سيل الانتقادات الدولية والمصرية والعربية التي تُندد بحالة حقوق الإنسان المتدهورة، وسط تحذيرات من أن هذه الممارسات تعمّق انقسام المجتمع وتضرب ما تبقى من ثقة في منظومة العدالة.

يأتى ذلك وسط استمرار المحاكمات السياسية، وتدهور أوضاع السجون، وانعدام الشفافية القضائية، يواجه المجتمع المصري لحظة مفصلية تتطلب مراجعة شاملة لمسار العدالة وحقوق الإنسان، قبل أن تتحول هذه المحاكمات إلى عبء تاريخي جديد يعمّق الانقسام ويقوّض الاستقرار.

 

وكشفت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في تقرير صادم صدر أمس  الأحد بعنوان "مداواة الانتهاكات بالمزيد منها", أن نيابة أمن الدولة العليا أحالت منذ سبتمبر 2024 فقط ما لا يقل عن 186 قضية سياسية للمحاكمة، تضم أكثر من 6 آلاف متهم، بينهم أطفال، وأكثر من نصفهم لا يزال قيد الحبس الاحتياطي، بعضهم منذ سنوات دون محاكمة.

 

قضاء غير مستقل وشرطة تفتقر للمساءلة

وصفت المبادرة هذه الموجة بأنها "أكبر موجة من المحاكمات السياسية في تاريخ مصر الحديث"، مشددة على غياب أبسط ضمانات العدالة، لا سيما مع عدم تمكين فرق الدفاع من الاطلاع على ملفات القضايا، وعدم تحديد دوائر الجنايات لمعظمها. ولفت التقرير إلى أن دائرتي الإرهاب في مجمع محاكم بدر – المنوط بهما النظر في القضايا – لم تفرجا عن أي متهم منذ تشكيلهما، بل أصدرتا آلاف قرارات تجديد الحبس بالمخالفة للقانون.

 

وأكد التقرير أن النائب العام السابق حمادة الصاوي، والذي أشرف على تحقيقات معظم هذه القضايا خلال توليه منصبه، هو ذاته من يترأس دائرة الاستئناف التي يُفترض أن تنظر الطعون، في مخالفة صريحة لنص المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية، ما يطرح شكوكًا عميقة حول نزاهة العملية برمتها.

https://eipr.org/press/2025/05/%D9%85%D8%AF%D8%A7%D9%88%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%A7%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B2%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D9%86%D9%87%D8%A7-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D8%B7%D9%84%D9%82-%D8%A3%D9%83%D8%A8%D8%B1-%D9%85%D9%88%D8%AC%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%83%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-  

حبس احتياطي مفتوح ومحاكمات عن بعد

وبينما تروج السلطات لمفهوم "العدالة الناجزة"، اتهمت المبادرة نيابة أمن الدولة بإبقاء قضايا مفتوحة لسنوات، قبل أن تقرر فجأة إحالة متهمين لمحاكمات جماعية دون أدلة جديدة، فيما تم الزج بمتهمين آخرين في قضايا قديمة لم يُعلن عن اتهامهم بها سوى قبل الإحالة بأسابيع.

 

وحذرت المبادرة من أن القانون الجديد للإجراءات الجنائية يُمكّن الدولة من محاكمة المتهمين عن بُعد، مفصولين عن محاميهم، ودون مواجهة شهود، في انتهاك واضح لحقوق الدفاع.

 

"اتهامات إرهاب بلا وقائع".. وتقويض لمستقبل العدالة

نددت المبادرة بمواصلة اتهام آلاف الأشخاص بـ"الإرهاب" في ظل غياب وقائع ملموسة أو ضرر حقيقي وقع على المواطنين أو الممتلكات، مؤكدة أن ذلك لن يقتصر تأثيره على الضحايا وعائلاتهم، بل سيمتد إلى إنهاك منظومة العدالة نفسها، وزيادة الانقسام المجتمعي.

 

وأكد الخبير القانوني نجاد البرعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "ما يحدث الآن هو انتقام سياسي مقنّن، تستخدم فيه السلطة أدوات الدولة في القضاء والشرطة لتصفية الحسابات، وليس لتحقيق العدالة". وأضاف: "استمرار هذا النهج يقضي على ما تبقى من مصداقية المؤسسات القضائية، ويؤسس لمرحلة أشد قمعًا".

 

حلول قانونية مهدرة وإصرار على القمع

رغم أن القانون المصري يتيح حلولًا واضحة لتجاوز الأزمة، مثل الإفراج عن المحبوسين احتياطيًا ممن تجاوزوا المدة القانونية، وحفظ القضايا القديمة بلا أدلة، وتحديد دوائر محايدة للمحاكمة، إلا أن النظام يصر على تجاهلها، متمسكًا بمسار المحاكمات الجماعية، بل ويشدد قبضته القانونية عبر قوانين فضفاضة لمكافحة الإرهاب تُجرّم الرأي والانتماء السلمي.

 

كما دعت المبادرة إلى إصدار قانون بالعفو الشامل استنادًا للمادة 76 من قانون العقوبات، لمراجعة أوضاع آلاف المعتقلين، لا سيما من لم يتسببوا في أي ضرر مادي أو عنفي، إلا أن هذه الدعوة لم تلقَ حتى الآن أي استجابة من السلطة.

 

تصعيد خطير يُنذر بانفجار اجتماعي

يرى مراقبون أن النظام يسعى لاستخدام هذه المحاكمات السياسية كأداة لترهيب المجتمع، وتصفية المعارضة في ظل أزمة اقتصادية خانقة وتراجع في الشعبية، لكنهم يحذرون من أن هذا المسار القمعي قد يأتي بنتائج عكسية.

 

وفي هذا السياق، قال الباحث الحقوقي محمد لطفي، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات: "السيسي يلعب بالنار؛ فبدلًا من الاستماع للمطالب الدولية والمحلية بفتح المجال العام، يتمادى في قمعه. هذا النهج لن يُسكت الناس للأبد، بل يراكم مشاعر الغضب والانفجار".