في مشهد يراه مراقبون تأكيداً على مضي المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي في تنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي دون اكتراث لتدهور معيشة المصريين، قفز معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية إلى 13.9% خلال أبريل ، مقارنة .بـ13.6% في مارس و12.8% في فبراير، وفق بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، السبت
ورغم التراجع النسبي في أسعار الغذاء عالمياً، وبدء انفراج أزمة أوكرانيا، فإن أسعار السلع الأساسية في مصر واصلت الارتفاع، مدفوعة بزيادة أسعار المحروقات التي أقرتها الحكومة الشهر الماضي، في خطوة رآها كثيرون تجسيداً لمقولة السيسي الشهيرة: "هتدفع يعني هتدفع"، في إشارة إلى تحميل المواطن كلفة ما تسميه الدولة بـ"الإصلاح الاقتصادي".
زيادات متتالية ترهق المواطنين
رفعت لجنة تسعير الوقود بوزارة البترول أسعار المحروقات بنسبة تراوحت بين 11.8% و14.8% في أبريل/نيسان، لتكون الزيادة الثانية في أقل من ستة أشهر، بعد رفع سابق في أكتوبر/تشرين الأول 2024. جاءت هذه الزيادات استجابة مباشرة لتوصيات صندوق النقد الدولي بضرورة "تحرير أسعار الطاقة"، ضمن شروط قرض الـ8 مليارات دولار.
وبحسب جهاز الإحصاء الحكومي، ساهمت تلك الزيادة في رفع أسعار الكهرباء والغاز والوقود بنسبة 39.4% على أساس سنوي، مما أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية –رغم تراجعها عالمياً– نتيجة زيادة تكاليف النقل والإنتاج.
التضخم يعود للارتفاع.. والبنك المركزي في مأزق
بينما كان البنك المركزي يراهن على تباطؤ التضخم للبدء في تخفيف السياسة النقدية وخفض أسعار الفائدة خلال العام الجاري، جاءت الزيادة الجديدة في أسعار المحروقات لتقلب الحسابات. يقول الخبير الاقتصادي أحمد خزيم إن الحكومة تعتمد "هندسة الأرقام" لإرضاء صندوق النقد دون الالتفات إلى الواقع الحقيقي للأسواق أو أحوال المواطنين.
ويحذر خزيم من أن السياسات الحالية "تركز على الأرقام دون معالجة حقيقية للأزمات الهيكلية في الاقتصاد المصري"، خاصة في ظل الاعتماد المتزايد على القروض وتراجع الإنتاج المحلي وتدهور قيمة الجنيه.
المصانع تتراجع.. والركود يطرق الأبواب
تنعكس الزيادات المتتالية في تكاليف الإنتاج والطاقة على القطاع الصناعي، الذي عاد إلى الركود في أبريل/نيسان، بعد تحسن محدود خلال الربع الأول من 2025. ويقول أعضاء في جمعية رجال الأعمال المصريين إن "الطلب المحلي انهار، والقدرة الشرائية للمواطنين تتآكل، وأسعار الفائدة المرتفعة (تتجاوز 30%) تخنق أي فرصة للتوسع الصناعي".
صندوق النقد يبدأ المراجعة الخامسة.. ولا حماية للفقراء
وسط هذه الأجواء القاتمة، بدأ فريق صندوق النقد الدولي، الأربعاء الماضي، المراجعة الخامسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر، الذي منح القاهرة قرضاً بقيمة 8 مليارات دولار، مقابل التزامات تتضمن خفض الدعم ورفع أسعار الطاقة وتوسيع قاعدة الضرائب. وتتزامن هذه المراجعة مع تنفيذ اتفاق استثماري مع الإمارات بقيمة 24 مليار دولار لإقامة مشروع عقاري ضخم في منطقة رأس الحكمة.
ورغم حصول مصر على دفعة جديدة من القرض في مارس الماضي، لم تظهر أي بوادر على تحسن الوضع المعيشي، بل اتسعت رقعة الفقر، وتراجعت أعداد المستفيدين من الدعم، وسط دعوات من خبراء لوقف السياسات الانكماشية، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية.
مستقبل قاتم وانتقادات متصاعدة
تُظهر المؤشرات أن التضخم سيواصل ارتفاعه في الشهور المقبلة، بسبب استمرار تداعيات زيادة أسعار الوقود، ووصول سلع جديدة مستوردة بأسعار أعلى. ويحذر اقتصاديون من أن الحكومة تسير في طريق لا يأخذ بالحسبان الأبعاد الاجتماعية، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان الشعبي وانعدام الثقة بقدرتها على الخروج من الأزمة.
ويخلص محللون إلى أن إصرار السلطة على تنفيذ تعليمات صندوق النقد بحذافيرها، دون بناء قاعدة إنتاجية حقيقية أو دعم حقيقي للفئات الأكثر تضرراً، يعمق الأزمة المعيشية ويضعف الاستقرار الاجتماعي.
