تحذيرات السفر الأميركية تكشف أزمة السياحة .. سائحون تحت الابتزاز وحماية انتقائية لآخرين!!  

- ‎فيتقارير

في خطوة تُسلّط الضوء على استمرار الفشل في إنعاش قطاع السياحة المصري، بزمن الانقلاب العسكرى، أعادت وزارة الخارجية الأميركية تصنيف مصر ضمن قائمة الدول التي يُنصح بـ"إعادة النظر في السفر إليها"، إلى جانب دول أخرى تعاني من أزمات أمنية وسياسية مثل كولومبيا وباكستان وجامايكا. ورغم محاولات النظام الانقلابى الترويج لتحسن الأوضاع، تتواصل التحذيرات التي تربط زيارة مصر بمخاطر الإرهاب والقيود القمعية على الحريات، إلى جانب صعوبات متكررة يواجهها الأميركيون مزدوجو الجنسية في حال الاحتجاز أو الاعتقال.

 

سياحة في بيئة طاردة

يأتي هذا التحذير في وقت يعاني فيه السائح في مصر من ظاهرة متفشية تتمثل في الابتزاز المالي والمعاملة غير اللائقة على مختلف المستويات، من سائقي التاكسي إلى البازارات والمواقع الأثرية. ويشكو زوار كثر من ممارسات استغلالية تبدأ فور وصولهم إلى المطارات وتنتهي بابتزازهم في الفنادق أو مواقع الزيارة، دون أي حماية حقيقية من السلطات، ما يعكس ضعف المنظومة السياحية وفشل الحكومة في فرض رقابة صارمة تحفظ كرامة السائح.

في المقابل، تحظى جنسيات معينة، خصوصًا الزائرين اليهود أو القادمين من إسرائيل، بمعاملة استثنائية تحت مظلة أمنية مشددة، نتيجة الحرص الرسمي على تأمين زياراتهم لتفادي الإحراج السياسي المرتبط برفض قطاع واسع من المصريين لفكرة التطبيع. وهو ما يطرح تساؤلات حول جدوى هذا "التمييز الإيجابي" في بلد يفترض أن يعامل جميع السياح بالمثل، لكنه لا يوفر الحماية اللازمة إلا لمن يُراعي النظام مصالحه الإقليمية.

 

الأرقام لا تكفي… والنمو بلا ثقة

صحيح أن عدد السائحين الأميركيين ارتفع من 154 ألفًا عام 2014 إلى قرابة نصف مليون في 2023، وهو أعلى رقم في تاريخ العلاقات السياحية بين البلدين، إلا أن هذه الطفرة الرقمية تخفي واقعًا هشًا؛ إذ إن استمرار التحذيرات الأميركية، وضعف جودة الخدمات، وغياب بيئة آمنة ومستقرة قانونيًا، تُنذر بأن هذا النمو قابل للانكماش في أي لحظة، لا سيما إذا حدثت أزمة أمنية مفاجئة كما حصل مع تفجير الطائرة الروسية عام 2015.

ورغم محاولات مسئولي السياحة المصريين التقليل من أهمية التحذير الأميركي، بحجة أن السائح المعاصر لا يعير اهتمامًا كبيرًا لهذه التنبيهات، إلا أن التجربة على الأرض تشير إلى أن ثقة السائح تتآكل تدريجيًا، خاصة مع غياب الحد الأدنى من التنظيم واحترام الزائر، مقارنة بدول مثل تركيا التي تمكنت من تحويل سياحتها إلى قطاع اقتصادي تنافسي حقيقي، عبر حماية السائح، وتقديم خدمات راقية بأسعار مناسبة، دون استغلال فج أو مضايقات يومية.

 

حماية غائبة… وسوق تُدار بالعشوائية

في السياحة، كما في غيرها، يدفع المواطن العادي ثمن السياسات المرتبكة؛ إذ يختزل النظام المصري تعامله مع هذا القطاع الحيوي في استعراضات إعلامية، دون علاج جذري لمشاكل الابتزاز، أو إصلاح شامل لأوضاع العاملين بالسياحة. وحتى في المدن السياحية الكبرى مثل شرم الشيخ والغردقة، لا يزال الأمن يُستخدم بشكل انتقائي، لحماية المنشآت الرسمية والمناسبات الكبرى، لا لضمان تجربة آمنة للسائح العادي.

في المقابل، يتلقى السائح التركي مثلاً تجربة مختلفة تمامًا؛ إذ تستثمر تركيا باستمرار في البنية التحتية السياحية وتدريب العاملين، وتُقدم صورة متكاملة من الانضباط والخدمات. وبينما تراهن أنقرة على السياحة الثقافية والطبيعية كمصدر موثوق للعملة الصعبة، تغرق مصر في بيروقراطية وأجهزة أمنية ترهق السائح بدلًا من أن تطمئنه.

 

تحذيرات لا تُكذّب الواقع

في النهاية، لا تُعد التحذيرات الأميركية مجرد ملاحظات عابرة، بل انعكاس لحقيقة يعرفها كل من زار مصر في السنوات الأخيرة: السياحة ليست آمنة تمامًا، لا من حيث الأمن الشخصي، ولا من حيث الكرامة أو المعاملة. وبينما تتشدق الحكومة بارتفاع الأرقام، تغيب الرؤية طويلة الأمد، وتُترك سمعة البلاد رهينة لسلوك عشوائي، ينفّر السائح ويشوّه ما تبقى من صورة مصر كوجهة حضارية فريدة.