في تطور يعكس اتساع دائرة الأزمات الاقتصادية في مصر، امتدت أزمة نقص الغاز لتضرب قطاع الأسمدة، ما ينذر بتداعيات كارثية على الزراعة، وسط تساؤلات متزايدة حول جدوى اعتماد النظام بقيادة المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي على الغاز المستورد من إسرائيل، بعد أن فشلت هذه الخطوة حتى في حماية الصناعات الحيوية من التوقف.
تقليص الإنتاج بسبب "أعمال صيانة" في إسرائيل
أعلنت شركتا "أبو قير للأسمدة" و"مصر لإنتاج الأسمدة – موبكو"، وهما من أكبر منتجي الأسمدة في مصر، عن خفض إمدادات الغاز لمصانعهما بنسبة تصل إلى 30% لمدة أسبوعين، ما دفع الشركتين إلى تقليص الإنتاج بالقدر نفسه. ورغم إعلان الحكومة تعليق هذا القرار مؤقتًا، فإن القلق يتزايد من أن تكون هذه مجرد بداية لسلسلة من الانقطاعات المرتبطة بتراجع إمدادات الغاز، خصوصًا أن السبب المعلن هو أعمال صيانة في أحد خطوط تصدير الغاز من إسرائيل، المورد الرئيسي الجديد لمصر منذ 2020.
ضربة جديدة لصناعة حيوية.. والزراعة في مرمى النيران
الغاز الطبيعي يمثل عصب صناعة الأسمدة، وأي توقف في إمداداته ينعكس مباشرة على الإنتاج المحلي، ويؤدي إلى تقليص المعروض وارتفاع الأسعار، ما قد يهدد الأمن الغذائي. فالمزارع المصري، الذي يعاني أصلاً من تضخم تكاليف الزراعة، سيجد نفسه الآن في مواجهة أزمة سماد تلوح في الأفق.
المسؤولون في قطاع الأسمدة حذروا من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى زعزعة العقود التصديرية وارتفاع الأسعار المحلية، مع احتمال اضطرار المصانع إلى التوقف الكامل بحلول نهاية مايو إذا لم تُستأنف الإمدادات بشكل طبيعي. وهذا يدفع للتساؤل: هل تسعى حكومة السيسي مستقبلاً إلى استيراد الخضروات والفواكه من إسرائيل أيضًا، كما تستورد منها الغاز؟
إنتاج الغاز يتراجع.. ومصر تعود للاستيراد بعد الاكتفاء
بيانات رسمية أظهرت تراجع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي إلى 3.3 مليارات متر مكعب في فبراير 2025، وهو أدنى مستوى منذ عام 2016، مقابل احتياجات محلية تلامس 6.2 مليارات قدم مكعبة يوميًا. ورغم اكتشاف حقل "ظُهر" الذي أعلن عنه باعتباره "المنقذ"، عادت مصر إلى استيراد الغاز المسال في 2023، بعد خمس سنوات من تحقيق الاكتفاء الذاتي المؤقت.
ورغم تعهدات الحكومة بتحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، فإن الواقع يعكس عكس ذلك تمامًا، حيث باتت البلاد مستورداً صافياً للطاقة وتعاني من انقطاعات متكررة للكهرباء، وتضطر لشراء زيت الوقود (المازوت) بأسعار مرتفعة لتشغيل محطات الكهرباء في الصيف.
تراجع أرباح الأسمدة.. والخسائر تضرب العملة الصعبة
تشكل صادرات الأسمدة مصدرًا مهمًا للعملة الصعبة، حيث بلغت صادرات "موبكو" نحو 78% من إجمالي إيراداتها البالغة 126.3 مليون دولار في الربع الأول من 2025. لكن رغم ارتفاع المبيعات بنسبة 24.5%، فإن أرباح كبرى شركات القطاع تراجعت بنسبة 57% بسبب فروق العملة وتداعيات تحرير سعر الصرف، وهو ما يعكس هشاشة الهيكل الاقتصادي تحت ضغوط السياسات الراهنة.
هل يستمر مسلسل الخراب؟
في ظل هذه الأزمات المتتابعة، يتجدد سؤال الشارع المصري: إلى متى يستمر مسلسل الخراب في زمن السيسي؟ من انهيار في الصناعة، إلى تهديد الأمن الغذائي، مرورًا بأزمات الطاقة والانقطاعات، تتوسع رقعة التدهور يوماً بعد آخر، في وقت تراهن فيه الحكومة على استيراد الحلول بدلًا من إصلاح المنظومة من الداخل.