في خطوة مثيرة للجدل، شكّلت حكومة الانقلاب لجنة وزارية "رفيعة المستوى" لدراسة مقترح تقدم به رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، يقضي بتحويل "مربع الوزارات" في قلب القاهرة إلى منطقة سياحية فندقية، تمهيدًا لطرحه على مستثمرين من القطاع الخاص، وسط تساؤلات متزايدة حول مصير عائدات هذه الصفقات التي تطال أهم المناطق الحيوية في البلاد. ويعد "مربع الوزارات" أحد أبرز الأحياء الإدارية في العاصمة القديمة، ويضم مقر مجلس الوزراء ومبانٍ تاريخية لوزارات الداخلية، الصحة، التربية والتعليم، فضلًا عن مجمع التحرير، الذي كان يحتوي على فروع لجميع المصالح الخدمية لسكان القاهرة الكبرى، وقد شُيّد في عهد الملك فاروق لتيسير شؤون المواطنين. من التحرير إلى "المربع الحكومي": خصخصة العاصمة القديمة؟ المقترح الجديد يأتي بعد صفقة بيع مجمع التحرير لصندوق إماراتي العام الماضي، مقابل نحو 500 مليون دولار، في صفقة أثارت انتقادات واسعة بسبب غموض تفاصيلها وعدم توجيه العائدات بشكل واضح إلى الخزانة العامة، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة تعاني منها البلاد. وفي سياق متصل، قال مصدر حكومي مطلع في تصريحات صحفية إن المقترح الذي تقدّم به هشام طلعت مصطفى — المُدان سابقًا بقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم والذي أفرج عنه بعفو من المنقلب السفاح السيسي — يتضمن تحويل المباني الحكومية إلى فنادق عالمية، تُضيف نحو 1300 غرفة فندقية جديدة إلى المنطقة الواقعة بالقرب من كورنيش النيل، بما يتماشى مع خطة الدولة لتعظيم الاستفادة من أصولها العقارية. العاصمة الإدارية في الصحراء.. والصفقات في قلب القاهرة يُطرح هذا التوجه الحكومي بالتزامن مع نقل الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة، والتي تقع في قلب الصحراء وتفتقر حتى اللحظة لوسائل نقل جماعي فعّالة، ما يفرض تكاليف إضافية على الموظفين والمواطنين على حد سواء. وهو ما يدفع مراقبين للتساؤل: هل الهدف من نقل الوزارات هو إفراغ وسط البلد لصالح المستثمرين الخليجيين؟ خبراء: عمليات بيع منظمة لأصول الدولة خارج الموازنة الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق المعتقل بسجون السيسي اعتبر في تصريح سابق لـ"الجزيرة نت" أن "ما يجري ليس خطة تطوير بل عملية منظمة لتسييل ممتلكات الدولة لصالح نخبة مالية داخلية وخارجية، يجري تمريرها من خلال صندوق مصر السيادي بعيدًا عن رقابة البرلمان والجهاز المركزي للمحاسبات". وأضاف: "المباني الحكومية في وسط البلد ليست مجرد طوب وأسمنت، بل هي ركيزة في البنية المؤسسية للدولة، وتحويلها إلى فنادق هو شكل من أشكال تغيير وظيفة الدولة ذاتها لصالح المال والسياحة، لا التنمية والخدمات". من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي ممدوح الولي إلى أن "اللافت في صفقات الدولة العقارية مؤخرًا هو غياب الشفافية، فلا أحد يعلم أين ذهبت حصيلة بيع مجمع التحرير مثلًا، ولا توجد تقارير سنوية تُنشر عن موارد صندوق مصر السيادي أو توزيعها". وقال الولي إن "طرح مربع الوزارات أمام مستثمرين إماراتيين عبر رجل أعمال مُدان سابقًا في قضية قتل ليس فقط استفزازًا للرأي العام، بل أيضًا يعكس حالة انهيار في منظومة القيم السياسية والعدالة الاقتصادية". تبريرات حكومية ونفي للمساس بالتراث وبينما تروج الحكومة الانفلابية لهذه الخطوة باعتبارها جزءًا من خطة لدمج "الحداثة مع الحفاظ على الهوية التاريخية"، نفت عبر مركزها الإعلامي الشهر الماضي وجود نية لإزالة المباني التراثية أو التأثير على النشاط التجاري في منطقة وسط البلد. لكنها لم تنفِ نيتها تحويل المباني الحكومية إلى مشاريع استثمارية، ما يعزز فرضية الخصخصة المقنّعة لأهم أصول الدولة العقارية. أموال لا يعرف طريقها أحد وبينما تعاني الدولة من عجز مالي متزايد وتفاقم في خدمة الديون الخارجية، لا تزال عائدات صفقات بيع أصول الدولة، كصفقة مجمع التحرير، محاطة بالغموض، حيث لم تُعرض تقارير رسمية تبين كيف تم توجيه هذه الأموال أو إنفاقها. ويتخوف مراقبون من أن تتحول عمليات "تطوير وسط البلد" إلى عملية استنزاف ممنهجة لأملاك الشعب، تُدار عبر تحالف غير معلن بين الدولة والمستثمرين المقربين، في ظل غياب الشفافية والمساءلة البرلمانية.