رغم تغييب” الإخوان “وحزبه “الحرية والعدالة”.. . الأحزاب العلمانية واليسارية عاجزة والعسكر والفلول يسيطرون على المشهد السياسي

- ‎فيتقارير

رغم اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية بنظام الانقلاب العسكري في مصر، إلا أن السلطات لم تُجر أي تعديلات جوهرية على قوانين الانتخابات، لا لمجلس النواب ولا لمجلس الشيوخ، ما يكشف عن نية واضحة في استمرار قواعد اللعبة السياسية كما هي: مغلقة، مُسيطر عليها، وبلا منافسة حقيقية.

لكن المشهد الانتخابي المرتقب لا يعكس فقط أزمة القانون، بل يُعيد تذكير المصريين بتحولات خيّبت آمال كثيرين، أبرزها غياب الإسلاميين، وعلى رأسهم جماعة "الإخوان المسلمين"، وحزبها الحرية والعدالة الذي حصد الاغلبية في أول وآخر انتخابات برلمانية حرة وفشل القوى اليسارية والعلمانية التي راهنت على استئثارها بالمجال السياسي بعد إقصاء الإخوان.

 

فراغ سياسي لم يُملأ

عندما أنقلبت المؤسسة العسكرية على حكم الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي في يوليو 2013، بدعم مباشر من قوى ليبرالية ويسارية، بدا المشهد آنذاك وكأنّه يُفتح أمام تلك القوى التي لطالما اشتكت من هيمنة "الإخوان". اعتقدت هذه القوى أن غياب "الحرية والعدالة" سيفتح لها باب التأثير، وأن الساحة ستُعاد صياغتها على أسس مدنية تعددية تمكّنها من إعادة تشكيل المجال العام.

لكن ما حدث كان العكس تماماً. فبدلاً من أن تتصدر القوى المدنية المشهد، استعادت الدولة العميقة عافيتها، وملأت الفراغ بفلول الحزب الوطني المنحل، وقيادات عسكرية سابقة أعادت إنتاج نفسها عبر أحزاب جديدة مدعومة من السلطة. بينما ظلت المعارضة العلمانية تُراوح مكانها، عاجزة عن التوحد أو تقديم بدائل جدية.

 

يسار بلا قاعدة… ومعارضة بلا مشروع

خلال السنوات التالية، انكشف ضعف البنية التنظيمية لتلك القوى، وعجزها عن بناء قواعد شعبية أو تطوير خطاب سياسي مقنع. ومع كل استحقاق انتخابي، كانت تنقسم بين من يدعو للمقاطعة، ومن يفضل المشاركة الرمزية، غالباً بالتنسيق مع أحزاب موالية، أملاً في الحصول على فتات من التمثيل البرلماني.

اليوم، وقبل أشهر من موعد الانتخابات، يبدو المشهد كما هو منذ سنوات: قوانين انتخابات مفصلة على مقاس السلطة، وأحزاب موالية تتحرك بثقة في مشهد محسوم سلفاً، ومعارضة مدنية منقسمة، مترددة، فاقدة للرؤية والقدرة.

 

لم يتغيّر القانون… ولم تتغير موازين القوة

مشروع القانون الانتخابي الجديد، الذي قدّمه النائب عبد الهادي القصبي، يُبقي على الصيغة القديمة: 50% للقوائم المغلقة و50% للفردي في مجلس النواب، مع تخصيص 25% من المقاعد للمرأة. أما مجلس الشيوخ، فيُنتخب 200 عضو بنفس الآلية، ويُعيّن الرئيس 100 آخرين.

ورغم ما قيل عن احتمالات تعديل قانون تقسيم الدوائر أو تحسين مناخ التنافس، لم يحدث شيء. وحدها أحزاب الموالاة، مثل "الجبهة الوطنية"، تتحرك بثقة، وكأنها تملك خريطة مسبقة للنتائج. بينما تجتمع "الحركة المدنية الديمقراطية" لتناقش احتمالات المشاركة أو المقاطعة، منقسمة بين من يرى جدوى في البقاء داخل اللعبة، ولو بشروط السلطة، ومن يرى أن المقاطعة أرحم من الانتحار السياسي.

 

النتيجة: نظام يعيد إنتاج نفسه

ما بدا قبل أكثر من عقد أنه انتصار للثورة أو للديمقراطية، بات اليوم عنواناً للنكوص السياسي. غياب "الإخوان" لم يكن كافياً لصعود قوى مدنية بديلة، بل على العكس، كشف أن هذه القوى نفسها كانت تفتقر إلى ما يجعلها بديلاً فعلياً. وبدلاً من ملء الفراغ، تركته مفتوحاً أمام النظام القديم ليعود بوجه جديد: أكثر احتكاراً، وأشد إحكاماً