فى عصر الانجازات الذى يعايشه كل المصريين وفق مزاعم نظام الانقلاب الدموى بقيادة عبدالفتاح السيسي تكشف خسائر الهيئات الاقتصادية عن جانب من هذه الانجازات "البلحية " التى نسمع عنها من مطبلاتية عصابة العسكر لكن لا أحد يلامسها على أرض الواقع .
تكشف البيانات الرسمية عن تصاعد خسائر الهيئات الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يشكل عبئًا متزايدًا على الموازنة العامة لدولة العسكر وينعكس سلبا على مخصصات الدعم، والخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، والبنية التحتية.
كان الجهاز المركزي للمحاسبات قد قدر هذه الخسائر في العام المالي 2022/2023، بنحو 236.7 مليار جنيه، مع تسجيل صافي علاقة سلبية بين هذه الهيئات والموازنة بقيمة 170 مليار جنيه، نتيجة تقديم إعانات بلغت 354.6 مليار جنيه في مقابل إيرادات لم تتجاوز 184.9 مليار جنيه،.
وفي العام (2023/2024)، تجاوزت الخسائر 250.7 مليار جنيه، في حين أشارت تقارير إلى أن الخسائر المتراكمة حتى منتصف العام 2024 بلغت نحو 233 مليار جنيه، وهو ما يعكس استمرار النزيف المالي دون حلول جذرية فعالة.
وفي مشروع موازنة العام 2025/2026، اعترف البيان المالي الرسمي بتسجيل خسائر وعجز بلغ 79.8 مليار جنيه لدى عدد من الهيئات، إلى جانب تراجع أرباح قطاعي الصناعة والبترول بنسبة تصل إلى 37.6% خلال ثلاث سنوات، ما يعكس تدهورًا تدريجيًا في عوائد قطاعات كانت تعتبر ركيزة للاقتصاد المصري.
يُشار إلى أن عدد الهيئات الاقتصادية يبلغ حالياً 59 هيئة موزعة على 12 قطاعاً رئيسياً، ويستحوذ قطاع النقل على أكبر عدد منها (10 هيئات)، تليه قطاعات الطاقة والكهرباء، والصحة والخدمات الدينية، والصناعة والبترول، والزراعة والري.
ومن أبرز هذه الهيئات: الهيئة القومية لسكك حديد مصر، هيئة قناة السويس، الهيئة القومية للأنفاق، الهيئة الوطنية للإعلام، الهيئة العامة للبترول، هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، الهيئة القومية للبريد، والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
اختلالات خطيرة
في هذا السياق أكد الخبير الاقتصادى، طلعت خليل، أن العلاقة بين الخزانة العامة والهيئات الاقتصادية تشوبها اختلالات خطيرة، حيث لم تعد هذه الهيئات ترفد الموازنة العامة بإيرادات كما هو مفترض، بل أصبحت عبئًا ماليًا عليها، مؤكدًا أن ما يُصرف من الخزانة العامة للهيئات الاقتصادية يفوق بكثير ما يدخل إليها منها، وهو ما يُعد أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم العجز.
وكشف “خليل” فى تصريحات صحفية عن أن هناك تفاوتًا كبيرًا في أداء الهيئات الاقتصادية؛ فبينما تحقق بعض الهيئات مثل هيئة البترول أرباحًا، فإن هذه الأرباح لا تعكس الواقع الحقيقي لأنها أرباح خادعة، بينما توجد هيئات خاسرة بشكل واضح مثل الهيئة الوطنية للإعلام، وهيئة السكة الحديد، وهيئة المعارض، مشيرًا إلى أن بعضها خسر بسبب قرارات إدارية متعمدة وليس لعجز طبيعي.
وأشار إلى أن الهيئة الوطنية للإعلام، على سبيل المثال، تحولت من كيان اقتصادي إلى ما يشبه هيئة خدمية دون إعلان رسمي بذلك، إذ تُكلف بتغطية الفعاليات الرسمية الحكومية بكوادرها وكاميراتها دون أن يُسمح لها بتسويق أو بيع هذه المواد، وبالتالي لا تُدر دخلًا يعوّض التكلفة، مشددا على ضرورة تحويلها إلى هيئة خدمية بوضوح بدلاً من استمرار تحميلها مهام دون عائد، ما جعلها غير قادرة حتى على دفع مرتبات موظفيها .
مشكلات مركبة
ولفت خليل إلى تراجع دور الهيئة الاقتصادية للمساحة، التي سُحب منها عملها لحساب هيئة المساحة العسكرية، ما أفقدها مصادر دخلها، وكذلك هيئة المعارض، التي تراجعت بعد أن تم إنشاء هيئة بديلة، مؤكدًا أن هناك تغييبًا متعمّدًا لبعض أدوار الهيئات لصالح جهات أخرى، ما أدى إلى خسائر حتمية لها.
وقال ان هيئة السكة الحديد تعاني من مشكلات مركبة، إذ تُكبّل بقروض مستمرة لتطويرها، دون أن يكون هناك تطوير فعلي في أهم عنصر يمكن أن يحقق أرباحًا، وهو نقل البضائع، مؤكدا أن نقل الركاب في كل دول العالم لا يحقق أرباحًا حقيقية، باستثناء خطوط النوم والفاخرة، وأن العائد الحقيقي يكون من نقل البضائع، وهو ما فشلت هيئة السكة الحديد في تطويره حتى الآن
سوء الإدارة
وأكد خبير الاقتصاد الدولي الدكتور محمود الجرف أن خسائر الهيئات الاقتصادية ليست مجرد ظاهرة عابرة، وإنما نتيجة تراكُم مشكلات هيكلية مزمنة تتطلب معالجة جادة وشاملة، موضحًا أن السبب الأول والرئيسي يتمثل في ضعف الحوكمة وسوء الإدارة، حيث تعاني العديد من الهيئات من غياب واضح في التخطيط الإستراتيجي، وانعدام آليات فعالة للمراقبة والتقييم، وهي أدوات ضرورية لوضع خطة تشغيلية تضمن رفع الكفاءة وتعزيز الربحية وتقليل الخسائر.
وكشف الجرف فى تصريحات صحفية عن أن هناك ترهلاً إداريًا يعاني منه عدد كبير من هذه المؤسسات، مشيرًا إلى تضخم عدد العاملين مقارنة بحجم الإنتاجية الفعلية، ما يجعل الكُلفة البشرية عبئًا إضافيًا دون مردود حقيقي يُوازي هذا التضخم في الموارد البشرية.
وأشار إلى أن من بين الأسباب الجوهرية أيضًا ارتفاع التكاليف التشغيلية، خاصة في ظل الزيادات المستمرة في أسعار الوقود والكهرباء والخدمات، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على الهيئات ذات الطابع الخدمي كالنقل والمرافق.
وأضاف الجرف أن اعتماد بعض الهيئات على معدات وتقنيات متهالكة يزيد من استهلاك الطاقة ويُضاعف من نفقات الصيانة.
ولفت إلى أن هناك هيئات تقدم خدماتها بأقل من التكلفة الفعلية، انطلاقًا من دورها المجتمعي، لكنها في الوقت نفسه تفتقر إلى المهارات التسويقية التي تمكّنها من تحقيق عوائد مجزية، خاصة عند المقارنة مع القطاع الخاص الذي يتمتع بمرونة عالية في الترويج للمنتجات والخدمات.
تراكم الديون
وأوضح الجرف أن تراكم الديون من أبرز الأزمات التي تواجه بعض الهيئات، مشيرًا إلى أن المؤسسات الكبرى في البنية التحتية مثل الهيئة القومية للأنفاق أصبحت مثقلة بفوائد قروض ضخمة، ومع ذلك تستمر في الاعتماد على الاقتراض بدلاً من الاتجاه نحو التمويل الذاتي أو الدخول في شراكات استثمارية تضمن الاستدامة.
وشدد على أن غياب البنية التكنولوجية الحديثة يُعد من عوامل الإخفاق الأساسية، إذ إن كثيرًا من الهيئات لا تزال تعمل بأنظمة تقليدية تفتقر إلى مقومات الرقمنة والذكاء الاصطناعي، وهو ما يؤدي إلى تراجع الكفاءة وضعف الشفافية ويعوق سرعة اتخاذ القرار.
واعتبر الجرف أن غياب الرؤية الاستثمارية الواضحة عامل حاسم في استمرار الخسائر، مؤكدًا أن هناك تأخرًا في اتخاذ قرارات حاسمة مثل إعادة الهيكلة أو دمج الهيئات المتشابهة في النشاط، فضلاً عن غياب خطة لتحويل هذه الهيئات إلى كيانات إنتاجية تحقق ربحًا أو تجذب استثمارات حقيقية.
وحذر الجرف من أنه ما لم تُعالَج هذه المشكلات بشكل جذري، فستظل الخسائر تتراكم عامًا بعد آخر .