تحولت أحياء القاهرة الكبرى فى زمن الانقلاب إلى أسواق عشوائية فالمحال التجارية تستولى على أجزاء كبيرة من الشوارع والإشغالات فى كل مكان والأكشاك العشوائية تحتل الأرصفة ، وتمنع المارة من السير، بالإضافة إلى الاختناق المرورى وتدهور مستوى المعيشة والأصوات تتداخل بين الباعة والصراخ المتكرر من السكان الذين يشكون من الزحام وعدم وجود أى رقابة فعلية.
وأصبحت العديد من الشوارع أماكن تعج بالقاذورات والروائح الكريهة التى لا تطاق، نتيجة تراكم القمامة التى تهدد صحة السكان وتؤدى إلى تفشى الأمراض.
حالة الشوارع تفضح الإهمال الواضح من حكومة الانقلاب ، حيث تحولت إلى مكبات مفتوحة للنفايات، دون أى تنفيذ فعلى لأعمال النظافة أو الصيانة فى الشوارع. وتدهور النظافة وتلوث البيئة ليس وليد اللحظة، بل ناتج عن تراكم الإهمال، ما تسبب فى معاناة مستمرة للسكان الذين يطالبون بحلول جذرية وسريعة لإنقاذهم من هذا الجحيم .
جحيم يومى
حول هذه الأزمة قال حسام سعيد، أحد سكان حى الزيتون: نعيش فى جحيم يومى، أصحاب المحلات يحتلون الشارع بشكل صارخ، وعندما نحاول الوصول إلى منازلنا، نجد أنفسنا فى مواجهة مع أصحاب البضائع، أصبحنا مضطرين للانتظار قبل دخول شارعنا، ثم نعبر بصعوبة بين أكوام السلع والحواجز الحديدية، معربا عن أسفه لأن حى الزيتون نايم فى العسل .
وأضاف سعيد أن كوبرى نصوح لم يسلم من هذه الفوضى، حيث استولى الباعة الجائلون على مدخله وأسفله وأعلاه، مما جعل المرور فيه شبه مستحيل، وبالرغم من نشرنا لصور واستغاثات يوميًا على صفحات حى الزيتون ومحافظة القاهرة، إلا أننا لم نتلقَ أى استجابة فعلية.
عشوائيات
وأعربت جيهان حسن، التى تسكن بحى الزيتون منذ 18 عامًا، عن استيائها من الحالة المزرية التى وصل إليها الحى الذى كان يومًا ما رمزًا للهدوء والنظام، مؤكدة أن الحى الهادئ تحول إلى عشوائيات .
وقالت «جيهان حسن» : عندما انتقلت إلى حى الزيتون منذ سنوات، كان الحى يتميز بالهدوء والفيلات والمنازل الصغيرة المكونة من طابقين، أما اليوم، فقد أصبح شبيها بمناطق العشوائيات فى الصين الشعبية، حيث تنتشر المخلفات فى كل مكان فى ظل غياب تام للحى وشركات النظافة المتعاقدة مع الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة.
وكشفت أن البناء العشوائى اجتاح المنطقة، حيث تم تشييد عقارات بشكل غير قانونى، ما أدى إلى تشويه الطابع المعمارى للحى، مشيرة إلى أن الشوارع مليئة بالقمامة، دون أى تحرك من الجهات المسؤولة لإزالتها، ما دفع السكان إلى بيع شققهم والبحث عن مناطق أكثر هدوءًا وأمانًا.
وأشارت «جيهان حسن» إلى أن الكبارى والشوارع أصبحت تعج بعربات الباعة الجائلين التى تنتشر تحت الكبارى وفوقها، ما تسبب فى إعاقة حركة المارة والسيارات، معربة عن أسفها لأن الحى أصبح غير ملائم للسكن، ويهرب منه المواطنون بحثًا عن أماكن أفضل .
وكشفت عن وجود سيارات مهجورة منذ أكثر من عشر سنوات فى الشوارع ، دون أن يتخذ الحى أى إجراء قانونى ضدها حرصاً على سلامة المواطنين، حيث تحولت هذه السيارات إلى ملاذ آمن للمشردين ومرتع لتعاطى المخدرات.
وعن عمال النظافة، قالت «جيهان حسن» إن تدنى الأجور دفعهم إلى جمع وفرز القمامة لبيع المواد القابلة لإعادة التدوير، مما أثر بشكل كبير على نظافة الشوارع، مؤكدة أن عمل عامل النظافة أصبح يقتصر على فرز البلاستيك والمعادن وبيعها، بدلاً من تنظيف الشوارع، ما جعل الوضع البيئى أكثر سوءًا .
وناشدت مسئولي الانقلاب بالتدخل الفورى وإنقاذ حى الزيتون من الانهيار الكامل، مشددة على ضرورة إزالة المخالفات، وتنظيم الإشغالات، وتحسين أوضاع عمال النظافة لضمان استعادة الحى لصورته الحضارية التى كانت تميزه فى الماضى.
صناديق القمامة
وكشفت نرمين محمد، 42 عامًا، من سكان حى الشرابية ، تفاصيل المعاناة اليومية التى تواجهها قائلة: كل مرة بننزل نرمى القمامة بنلاقى الحصان واقف قدام الصندوق، ومحدش يقدر يقرب غير صاحب العربة الكارو، بنخاف نعدى، ممكن يرفس أو يعض بقينا نرمى الزبالة من بعيد ونهرب .
وأكدت «نرمين محمد »، أن المشهد لم يعد استثناءً، بل بات قاعدة يومية أمام صناديق القمامة بمنطقة «الشادر»، موضحة أن وجود الحيوانات بهذا الشكل وسط بيئة سكنية مزدحمة يعكس غيابًا تامًا للرقابة، وترك المرافق العامة عرضة للفوضى.
وأضافت، اللى عايز يرمى القمامة لازم يستأذن من الحصان! والمصيبة إن مفيش حد بيتدخل ولا فى رقابة من الحى أو حتى نرى عامل نظافة يستطيع أن يساعدنا .
وشدت على ضرورة تدخل حى الشرابية وهيئة النظافة لفرض الانضباط فى الشارع، ومنع استخدام الخيول بالقرب من صناديق القمامة، حماية لأرواح المواطنين، خصوصًا الأطفال وكبار السن، الذين قد يتعرضون للأذى فى أى لحظة.
خارج عن السيطرة
وأكد مهندس مدني، رفض الإفصاح عن اسمه، أن الوضع خرج على السيطرة، فالمبانى تتزايد بشكل فج، والبيوت الصغيرة التى شُيدت كسكن كريم للفئات البسيطة تحولت إلى محلات تجارية، دون أى دراسة هندسية أو رقابة فنية.
وأضاف: التحايل بلغ مداه، والشقق السكنية المخصصة للإسكان تحولت إلى محلات تجارية، وكل دور جديد يبنى فوق المبنى الأصلى يتم دون تراخيص، والكل يعرف والمخالفات مستمرة.
وتابع: بنشوف موظفين المتابعة جايين بعربية الحى، بيقفوا مع المخالف عشر دقايق على جنب، وبعد كده يمشوا وكأن شيئًا لم يكن، ثم يستكمل البناء فورًا أمام الجميع، وكأن هناك اتفاقات تجرى فى الظل.
وأشار إلى أن الحى لا رئيس نقدر نوصله، ولا مسئول يرد، والمواطن هو الضحية فى النهاية، سواء بسقوط مبنى، أو بفقدان أبسط حقوقه فى سكن آمن .
الإشغالات
وقال محمد حامد من سكان شارع حسنى بالشرابية : الإشغالات منتشرة بشكل فوضوى، الباعة يملأون الأرصفة والممرات، ما يجعل الحركة صعبة للغاية للمواطنين، خاصة كبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة،
وأضاف : حاولنا نبلغ المسئولين فى الحى، لكن لا يوجد أحد يتابع أو يستجيب مؤكدا أن الأسواق المؤقتة وأكشاك البيع العشوائى باتت تغزو الشوارع، مستغلة غياب الرقابة ، وهو ما يسبب زحامًا مروريًا واضطرابًا يوميًا للسكان.