لم تكن المذبحة التي وقعت في إحدى دور رعاية ذوي الإعاقة بمحافظة القليوبية، والتي اغتُصبت فيها أربع فتيات قاصرات من أسرة واحدة، سوى وجه جديد لما بات يُعرف لدى المصريين بـ"زمن الانهيار الأخلاقي". العامل الجاني، الذي قضت محكمة جنايات بنها بإعدامه شنقًا، لم يكن مجرد متحرّش، بل تجسيد لانفلات أخلاقي وأمني يتنامى في بيئة سياسية تحولت فيها دماء الأبرياء وكرامة المواطنين إلى مجرد أرقام.
لكن هذه الجريمة ليست حدثًا استثنائيًا في "جمهورية الخوف" التي شيّدها عبد الفتاح السيسي منذ انقلابه العسكري في 2013، بل تأتي ضمن سلسلة من الانتهاكات والجرائم التي يراها مراقبون ومحللون انعكاسًا مباشرًا لعسكرة الدولة، وتفكيك المجتمع، وتعميم العنف كأداة للحكم والسيطرة.
من المذابح إلى الأغاني: تأصيل العنف الرسمي
شهدت مصر، منذ الساعات الأولى للانقلاب العسكري، انفجارًا في استخدام العنف الممنهج ضد المدنيين. كانت مجازر الحرس الجمهوري ورمسيس وسموحة بمثابة مقدمات دموية، قبل أن تبلغ ذروتها في محرقتي رابعة العدوية والنهضة، حيث قُتل أكثر من ألف مصري في يوم واحد على يد قوات الأمن والجيش.
ولم تكتف السلطة بالقمع، بل ساهم إعلامها في شرعنة القتل والسخرية من الضحايا. خرجت أغانٍ مثل "تسلم الأيادي" و**"إنتو شعب وإحنا شعب"** للمغني علي الحجار، لتؤسس لخطاب احتقاري تجاه فئات واسعة من الشعب، وتُظهر القتل وكأنه "واجب وطني".
ارتفاع معدلات الجريمة: هل هو مجرد انعكاس للفقر؟
تُظهر المؤشرات الرسمية وغير الرسمية ارتفاعًا غير مسبوق في معدلات الجرائم الجنائية، خاصة الاعتداءات الجنسية على الأطفال، منذ تولي السيسي الحكم. ووفقًا لدراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عام 2021، تُسجل سنويًا حوالي 20 ألف حالة اعتداء جنسي، 85% منها ضد أطفال، وسط بيئة مجتمعية تعاني من التفكك والخوف من الإبلاغ.
وفي عام 2024 وحده، أعلن المجلس القومي للطفولة والأمومة عن تسجيل 21 ألف بلاغ تتعلق بجرائم عنف ضد الأطفال في أول أربعة أشهر فقط، أي ما يعادل تقريبًا عدد البلاغات خلال العام السابق بأكمله.
خبراء: نظام بلا قيم يطلق العنان للانحراف
تقول د. سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن ما يجري يعكس انهيارًا قيمياً واسعاً، تسببت فيه بيئة سياسية تحاصر الحريات، وتُضعف مؤسسات الرقابة، وتُهمش دور الأسرة والإعلام التوعوي.
وترى أن ترك الأطفال في عهدة مسئولين غير مؤهلين داخل دور الرعاية "جريمة غير مباشرة"، وتضيف أن الصمت المجتمعي ووصمة العار يمثلان عائقاً حقيقياً أمام كشف الجرائم، مما يضاعف من معاناة الضحايا.
جرائم "نظام السيسي".. توثيق لبعض أبرز الجرائم
- 2013: مذبحة رابعة (أكثر من 1000 قتيل خلال ساعات(
- 2015: اغتيال النائب العام هشام بركات في ظروف غامضة، استخدمت لتبرير الإعدامات
- 2016 – 2022: مئات من حالات "الاختفاء القسري" والتصفية الجسدية خارج القانون
- 2023: وفاة أطفال في حضانات متهالكة، ونساء في السجون بسبب الإهمال الطبي
- 2024: اغتصاب 4 فتيات من ذوي الإعاقة الذهنية داخل دار رعاية رسمية
مقارنة زمنية: ارتفاع معدلات الجريمة في عهد السيسي
|
الفترة |
معدل جرائم القتل (لكل 100 ألف) |
معدل الجرائم الجنسية |
أبرز ملاحظات |
|
2010 (ما قبل الثورة) |
2.4 |
منخفضة نسبيًا |
كانت الجرائم الفردية الأبرز |
|
2012 (فترة مرسي) |
3.1 |
مستقرة |
رغم الانفلات الأمني النسبي، لم تُسجّل جرائم اغتصاب جماعي ممنهج |
|
2014 (السيسي – بداية الحكم) |
4.9 |
تصاعد |
تفشي العنف الأسري والتحرش |
|
2021 |
7.2 |
تضاعفت |
توسع في جرائم الاغتصاب والتحرش بالأطفال |
|
2024 |
8.3 (تقديرات غير رسمية) |
مستوى قياسي |
غياب الرقابة وتفكك مؤسسات الرعاية |
المصدر: المركز القومي للبحوث الاجتماعية + تقديرات منظمات مجتمع مدني