آثار قرار حكومة الانقلاب بحصر ممتلكات الأوقاف تمهيدا لبيعها ومشاركة القطاع الخاص فيها بحجة استثمارها بطريقة أفضل مما يجرى حاليا حالة من القلق بين المصريين خاصة وأن هذا القرار ينطوى على مخالفات شرعية وقانونية لأن حكومة الانقلاب لا تمتلك هذه الأوقاف وبالتالى لا يجوز لها بيعها أو تغيير النشاط المخصصة له دون موافقة الواقفين .
كما أعرب المواطنون الذين بحوزتهم أراضي الوقف الزراعية، والمقيمون في مساكن تابعة لهيئة الأوقاف أو الذين بنوا مساكنهم على أراضي تابعة لها عن تخوفهم من توجيه رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي، بحصر جميع أملاك هيئة الأوقاف بغية طرحها على القطاع الخاص.
الخبراء اعتبروا أن قرار حكومة الانقلاب بمثابة رسمي على أموال الأوقاف غير المملوكة لها فى الأساس محذرين من أن ما يحدث هو وسرقة وخيانة كبيرة في نظر الشرع والقانون .
وانتقد الخبراء قبول وزراة الأوقاف ما تمليه عليها حكومة الانقلاب، مؤكدين أن شيوخ السلطة أفسدوا علينا الدنيا والدين .
وحذروا من التلاعب فى الأوقاف التي أوقفها مسلمون أرادوا بها نفع الأمة والناس في أمور محددة .
الحالة الاجتماعية
حول أوضاع الأوقاف حاليا أكد أحد موظفي هيئة الأوقاف السابقين، أنّ: الأوقاف تحقق أرباحا هائلة، وكانت تراعي فى عهد المخلوع حسني مبارك، بعدا هاما وهو الحالة الاجتماعية للمؤجرين والمستفيدين من أراضيها ومساكنها ومحلاتها التجارية، وكانت القيم الإيجارية أقل من القيم السوقية.
وقال الموظف السابق : إيجار الفدان الزراعي كان من 500 إلى 1200 جنيه، مقابل أضعاف هذه القيمة بين ملاك الأراضي والمؤجرين خارج الأوقاف.
وأشار إلى أن الأوقاف في عهد الوزير الانقلابى السابق مختار جمعة (2012- 2024) رفعت القيم الإيجارية على آلاف المزارعين والمستأجرين لأراضيها ومساكنها عدة مرات، اشتكى منها المستفيدون الذين عجز بعضهم عن سداد قيم الإيجار السنوية للأراضي الزراعية والبساتين، وقرر آخرون تركها لزيادة الإيجار، وتكلفة الزراعة العالية .
وأكد الموظف تغير القيم الإيجارية لأراضي الأوقاف الزراعية، حيث سجّل إيجار الفدان ارتفاعا في العام الأول من انقلاب السيسي بنحو 400 بالمئة ورفعت الهيئة الحد الأدنى للإيجار بالوادي والدلتا من ألف إلى 4 آلاف جنيه، ليصل ببعض المحافظات ما بين 5 و7.5 آلاف جنيه.
ولفت الى أنه في عام 2018، جرى رفع الحد الأدنى لإيجار الفدان إلى 4800 جنيه، ثم إلى 6 آلاف جنيه في 2019، وإلى 7200 جنيه عام 2020، ثم إلى 9600 جنيه في 2021، ليشهد العام الماضي "طفرة كبيرة" جرّاء وصول إيجار الفدان إلى 16800 جنيه للزراعات العادية ونحو 24 ألف جنيه للبساتين والمحاصيل التجارية.
خيانة
حول هذه الأزمة قال الشيخ سلامة عبد القوي مستشار وزير الأوقاف الأسبق : شرعا الأوقاف ملك للواقف حسب الشروط التي نص عليها للموقوف له، مشيرا إلى أن القاعدة الفقهية تقول: (شرط الواقف كنص الشارع) .
وأوضح عبد القوي عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، أنّ وزير الأوقاف هو متول الوقف أو ناظر الوقف، يعني موظف لإدارة الوقف حسب شرط الواقف، ولا يحق له ولا لرئيسه ولا لحكومته أن تتصرف في الأوقاف بدون إذن أصحابها، مؤكدا أنّ ما يحدث هو سرقة وخيانة كبيرة في نظر الشرع والقانون .
شيوخ السلطة
بالنسبة للجانب القانوني، قال المحامي والبرلماني السابق، عاطف عواد، إنّ الأوقاف كانت ملكا للناس حتى قررت حكومة الانقلاب وضع يدها على أملاكها، وأصبحت ملكا لحكومة الانقلاب التي تقوم بالصرف على الشعب، مؤكدا أن الحديث عن بيعها للقطاع الخاص حرام شرعا، وجريمة قانونا.
وأضاف عواد، في تصريحات صحفية : الأوقاف لا تحتاج لإدارتها رجل دين، ولكنها تحتاج إلى مدير مالي وإداري، أشبه بناظر العزبة الذي كان يدير الأملاك سابقا، ويستثمرها ويذهب ريعها لصالح الموقوف عليه، سواء بمجال التعليم والصحة أو غيره.
وانتقد قبول وزراة الأوقاف ما تمليه عليها حكومة الانقلاب، مؤكدا أن شيوخ السلطة أفسدوا علينا الدنيا والدين .
واعتبر عواد أن قرار رئيس وزراء الانقلاب يعبر عن جهل بطبيعة الوقف، ومخالفة صريحة للدستور المصري والشريعة الإسلامية التي هي المصدر الرئيسي للتشريع.
خطأ شرعي وقانوني
وقال الخبير الاقتصادي علاء الدين سعفان إنّ: قرار رئيس وزراء الانقلاب فيما يتعلق ببيع الأوقاف به خطأ شرعي وقانوني واقتصادي.
وتساءل سعفان فى تصريحات صحفية : لا أدرى كيف سيتم بيع تلك الأصول بينما المفروض أنها تعمل للغرض الذي جرى وقفها له؟، وإذا تم بيعها للقطاع الخاص هل سيخرج الوقف عن العمل المنوط به؟، أم أنهم حصلوا على فتوى بأن هذه الأموال سيتم وضعها وتدويرها لاحقا في أوقاف أخرى؟.
وأضاف : هل معنى هذا أن الأوقاف بوضعها الحالي ليست منتجة، والعائد منها ضعيف؟، وإذا كان كذلك فلماذا لم تبحث دولة العسكر في كيفية تطوير الأوقاف، وحل مشاكلها التنظيمية والإدارية والمالية والاستثمارية، وجعلها في موقف يجعلها تعطي عائدا أعلى لما أوقفت من أجله؟.
واعتبر سعفان أنّ التعامل مع كل شيء على أنه قابل للبيع بهذا الشكل ليس بقرار اقتصادي سليم، وقد يرى البعض أن بيع بعض الأصول غير المنتجة أو الأصول غير المربحة أو الأصول الميتة كما يقال، ربما العائد من بيعها يكون مفيدا.
وتابع قائلا: لكن في مسألة الأوقاف يجب على حكومة الانقلاب بأن تتريث في قرار البيع، وأن تشكل لجنة على أعلى مستوى لدراسة هذا الأمر.
وحذر سعفان من التلاعب فى الأوقاف التي أوقفها مسلمون أرادوا بها نفع الأمة والناس في أمور محددة؛ مؤكدا أن هذا الأمر يحتاج إلى بحث ودراسة وحديث من مختصين في عدة مجالات، لأن هناك جوانب شرعية وقانونية وإدارية واقتصادية ومالية.
سطو رسمي
واعتبر الخبير الاقتصادى مصطفى عبد السلام تصريحات رئيس وزراء الانقلاب بمثابة عملية سطو رسمي على أموال الأوقاف غير المملوكة لحكومة الانقلاب أصلاً، بل هى أموال وأصول وممتلكات وأراض وعقارات خاصة تنازل عنها أصحابها لأجهزة الدولة للإنفاق من عوائدها على المحتاجين أمثال الفقراء واليتامى والأرامل والمطلقات وطلاب العلم وأوجه الخير المختلفة.
وقال عبدالسلام فى تصريحات صحفية : إذا كانت حكومة الانقلاب تسابق الزمن لبيع أصول دولة العسكر من شركات وبنوك وأراض وعقارات وغيرها، وتخضع لإملاءات صندوق النقد الدولي وغيره من الدائنين في هذا الشأن، فإنه ليس من حقها بيع أملاك الأوقاف للقطاع الخاص والمستثمرين ورجال الأعمال الخليجيين والعرب والأجانب، الذين يتسابقون لشراء مزيد من الأصول المصرية وبرخص التراب بعد أن تآكلت العملة المحلية مقابل الدولار.
وأكد أن قرار حكومة الانقلاب يطرح العشرات من علامات استفهام غامضة، منها : هل حصلت حكومة الانقلاب على موافقة أصحاب تلك الأصول والأموال الأصليين قبل الإقدام على عملية البيع وتغيير الغرض المحدد لها، وأين ستؤول حصيلة البيع، هل لسد عجز الموازنة العامة وسداد أعباء الدين العام، أم لاستكمال منشآت العاصمة الإدارية وغيرها من المشروعات الفنكوشية وإذا كانت حكومة الانقلاب قد فشلت في استثمار تلك الأصول الضخمة فلماذا لا تتم إعادة تلك الأصول لأصحابها الأصليين ليتولوا إدارتها بشكل احترافي؟
وأشار عبدالسلام الى أنه إذا كانت حكومة الانقلاب لديها خطة لبيع تلك الأصول فمن حق أصحابها المطالبة باستعادتها وبيعها أو تحديد أسلوب توزيعها بالشكل الذي يحقق الغرض منها من وجهة نظرهم، لأن حكومة الانقلاب أخلت باتفاق التنازل عن تلك الأصول .
وخلص الى القول ان حكومة الانقلاب تبيع ما لا تملك وتتصرف في أصول مؤتمنة فقط على إدارتها، وهذا يمثل اعتداء صارخاً على الملكية الخاصة لافتا الى أنه إذا كانت حكومة الانقلاب قد فشلت في إدارة هذه الأوقاف، فعليها أن تتعلم من الهيئات والجامعات الأجنبية التي حققت نجاحات كبيرة في إدارة هذه النوعية من الأصول لصالح أصحابها والمستفيدين منها، بل وتحقيق عوائد تفوق أصل تلك الأصول.