تنقيب غير شرعي في مؤسسات حكومية…تهريب الآثار المصرية هل تتم برعاية جهات عليا؟

- ‎فيتقارير

أعاد الكشف عن واقعة تنقيب غير مشروع داخل منشأة تابعة لوزارة الثقافة بحكومة الانقلاب  في مدينة الأقصر، إلى واجهة الجدل مجددًا حول مافيا الآثار، وأعاد طرح تساؤلات مُلحّة، هل أصبحت تجارة الآثار تتم بعلم أو تواطؤ من داخل أجهزة الدولة؟ ومن المسؤول عن تسريب آلاف القطع إلى الخارج، بينها مقتنيات ظهرت مؤخراً في "اللوفر أبو ظبي" بالإمارات؟

تنقيب غير شرعي داخل منشأة حكومية

في زيارة مفاجئة، اكتشف وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو وجود أعمال حفر بعمق ثلاثة أمتار داخل قصر ثقافة الطفل بالأقصر، ما اعتبره محاولة واضحة للتنقيب عن آثار من دون ترخيص، التحقيقات كشفت عن تورط شركة ترميمات متعاقدة مع الوزارة، وسط غياب تام لأي إشراف رقابي من الجهات الهندسية المختصة، وتمت إحالة بعض المسؤولين المحليين للتحقيق، لكن مراقبين اعتبروا الواقعة حلقة جديدة في مسلسل طويل من الانتهاكات التي لا تقتصر على "اللصوص"، بل تطال أطرافاً داخل المؤسسات الرسمية.

آثار مصر... بين الإهمال والتهريب المنظم

مصادر أثرية متعددة تؤكد أن ما جرى في الأقصر ليس حادثاً معزولاً، عشرات المواقع الأثرية في الدلتا والصعيد تعاني من غياب الحماية الأمنية وضعف التمويل، تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات كشف سابقاً عن وجود أكثر من 100 موقع بلا أسوار حماية أو حراسة ليلية أو حتى كاميرات مراقبة، أما المخازن المُتْحَفِية، فحدث ولا حرج، آلاف القطع مُلقاة داخل غرف رطبة غير مؤهلة، وبعضها اختفى تماماً خلال السنوات الماضية من دون أي تحقيقات معلنة.

"اللوفر أبو ظبي" وأصابع الاتهام

اللافت أن بعض القطع النادرة التي يُعتقد أنها هُربت من مصر، ظهرت لاحقاً في متاحف خارجية، أبرزها متحف اللوفر في أبو ظبي، ورغم نفي السلطات المصرية علمها بذلك، يرى متخصصون أن حجم التسريبات يعكس شبكات تهريب عابرة للحدود لا يمكن أن تعمل بمعزل عن تواطؤ داخلي، ورجّح مسؤول سابق في وزارة الآثار – فضّل عدم ذكر اسمه – أن "التهريب يتم عبر قنوات رسمية أحياناً، وعبر شركات شحن دبلوماسي، أو تحت ستار هدايا أو مقتنيات خاصة".

فساد من الداخل

الدكتور إبراهيم الحجاجي، أستاذ الآثار وعضو تفتيش سابق، صرح في تصريحات صحفية بأن "بعض الموظفين في مؤسسات الدولة هم أنفسهم من يُسهّلون سرقة الآثار أو يتورطون في بيعها"، وأضاف: "لدينا آلاف القطع غير مسجلة رسميًا، وهذا في حد ذاته باب مفتوح للنهب، إذ يصعب تتبع ما لم يُوثّق"، وضرب مثالاً بفيلا في شارع الهرم كانت تحوي كنوزاً أثرية داخلية استعادتها الشرطة جزئيًا، مشيرًا إلى أن الفيلا لم تكن مدرجة حتى كموقع أثري.

موظفون في دائرة الاتهام

في الأقصر، تسود حالة من التوتر بين العاملين بعد زيارة الوزير، مصدر من داخل قصر ثقافة الطفل قال: إن "أعمال الحفر كانت جارية منذ أيام، وكان البعض على علم بها، لكن دون تحرك رسمي"، مشيرًا إلى "احتمالات وجود اتفاقات غير معلنة بين عمال الحفر وموظفين في الموقع".

دعوات لمحاسبة المتورطين ووقف المهزلة

الدكتور جمال عبد الرحيم، أستاذ الآثار الإسلامية، شدد على أن "الأمر بحاجة إلى مراجعة شاملة، لأن استمرار هذه التجاوزات يضع تراث مصر كله في مهب الضياع"، كما طالب بإدراج حماية الآثار ضمن الأمن القومي، وتوثيق كافة القطع رقمياً، وتوفير حوافز للعاملين في هذا القطاع لوقف مسلسل التراخي والفساد.

سؤال أخير... من يملك مفاتيح الكنوز؟

في ظل انكشاف مزيد من حلقات شبكة نهب الآثار المصرية، يبدو السؤال الأكثر إلحاحاً اليوم: من يقف خلف تصدير التاريخ المصري إلى المزادات والمتاحف الأجنبية؟ وهل يملك النظام إرادة حقيقية لوضع حدّ لهذا النزيف؟، أم أن هناك من يرى في الماضي سلعة قابلة للبيع بثمن الحاضر؟.