قال د. محمد حافظ أستاذ هندسة السدود بجامعة ماليزيا: إن "الهزّات الأرضية يمكن أن تؤدي إلى انهيار المباني في الإسكندرية، خاصة عندما تتضافر مع عوامل بيئية وهندسية أخرى جعلت الهياكل أكثر هشاشة وضعفًا.".
وأوضح أن "آلية تأثير الزلازل على المباني في الإسكندرية تحديدًا، فتلك الهزات الأرضية ليست عاملًا رئيسيًا في انهيار المباني، لكنها قد تسرّع أو تفعّل الانهيار في المباني الضعيفة أو التي تعاني أصلًا من مشاكل في الأساسات أو التربة، في ظل غياب معايير السلامة الهندسية، العامل الحاسم يبقى تدهور التربة والأساسات بسبب ما ذكر سابقا.".
وعبر Mohd Hafez على فيسبوك كتب مقالا بعنوان "لماذا تنهار مباني الإسكندرية اليوم وغدا ولا تنهار مباني فينيسا؟"
وأوضح أنه مع انتشار عدة فيديوهات لشخصيات مهمة (إشارة لدراسة ألمانية بقيادة د. عصام حجي) تؤكد بأن ارتفاع منسوب مياه البحر هي السبب في انهيار المباني في الإسكندرية اليوم وغدا، وإننا على وشك حدوث انهيار قرابة 7000 مبنى خلال الأعوام القادمة، بسبب ارتفاع منسوب البحر.
10 % من الأسباب
وأشار إلى أنه "بدون أي إضافة لما قِيل من قبل فإن التغيرات المناخية وارتفاع منسوب البحر هو (أحد العوامل الثانوية) لانهيار المباني، ولكنه عنصر لا يمثل أكثر من (10% من حيث قيمته في المعادلة).".
وبين أن قيمة هذا العنصر لاتزيد أهميته عن (10%) من حيث فاعلية الأسباب، وذلك لأن تأثير مياه البحر سواء عن طريق (الغزو البحري تحت الأساسات) أو عن طريق (غمر الأساسات) سوف يؤثر على الأساسات من حيث (إضعاف قوة مقاومة التربة) بحسب تحليل "حافظ".
وتابع: "المواصفات الفنية لتصميم المباني تأخذ في الاعتبار مُعامل آمان للأساسات بشكل عام لا يقل عن (2.5)، بمعنى أن أي انخفاض في مقاومة التربة سوف يُخفّض مُعامل الآمان هذا، ولكنه ظهريا لن يحدث أي مشاكل طالما أن معامل الآمان بعد كل مصايب (مياه البحر) لا يزال أعلى من (1.1 تقريبا). ".
وأوضح أن "تأثير (تخفيض الإجهاد) ممكن أن يكون سببا مباشر ورئيسا في انهيار المبنى في حالة ما إذا كان معامل الأمان في الأصل بسيطا جدا ولا يزيد عن (1.2 تقريبا) ، حتما سينهار بسبب (الغزو البحري)، ولكن هذا ليس هو (النموذج الإسكندراني خلال المائة عام الماضية).
واستعرض حافظ الدليل العملي في أن "ارتفاع منسوب البحر لن يؤدي لانهيار إنشائي؛ بسبب فقدان التربة جزء من مقاومتها، أو بسبب التفاعلات الكيميائية للأحماض بمياه البحر، الدليل هو مدينة فينيسيا الإيطالية، حيث تغرق أساسات المباني تحت مياه البحر بعمق يزيد عن 5.0 متر دون أن تتأثر بمياه البحر على الرغم من كونها مبانٍ قديمة يزيد عمرها عن 100 سنة.
وأضاف أن "ارتفاع منسوب سطح البحر، سوف يؤدي حتما إلى حدوث ما يعرف بعملية (غزو البحار لليابسة Sea intrusion) حيث تتسرب مياه البحر تحت المياه الجوفية والتي هي غالبا ما تكون (مياه المجاري البايظة) وتسبب تشبع للتربة تحت منسوب الأساسات وتخفيضا لما يسمى (الإجهاد الفعّال أي Effective stress)، وهذا يتسبب بشكل عام في تخفيض قيمة قوة تحمل التربة وأيضا حدوث ميول للمباني أو تشرخات للكمرات بين الأعمدة، وكذلك بلاطات السقوف بسبب الهبوط الغير منتظم".
الغزو البحري والكلور البحري
وعن ثاني تأثير للغزو البحري تحت أساسات المباني هو عملية تفاعل (آيونات الكلور) الموجودة في مياه البحر المالحة مع (خرسانة الأساسات سواء كانت أساسات سطحية أو عميقة) وهذا أيضا تم أخذه فى الاعتبار عند التصميم، حيث تم تصميم غطاء خرساني بسُمك (2.5 سم) لتقليل تعرّض حديد التسليح للتفاعل الكميائي مع أملاح مياه البحر أو أملاح مياه المجاري والتي هي أصعب بكثير من أملاح البحر، وغالبا يتطلب الأمر زيادة سُمك تلك الطبقة لأساسات القريبة من خط الساحل، بحيث يصل سُمك الغطاء الخرساني لقرابة 3.5 سم، وعليه فالتأثير الكميائي لمياه البحر على خرسانات الأساسات هو تأثير مهم، ولكنه لازال ثانويا.
وعن حالة مقارنة التأثير الكيميائي لمياه البحر على خرسانات أساسات المباني القريبة من البحر مع التأثير الكيميائي لمياه (الصرف الصحي-المجاري ) على أساسات المباني الموجود بالداخل وتبعد عن ساحل البحر بقرابة 3 أو 4 كم قال إن "تأثير أملاح الصرف الصحي على الأساسات قد يزيد عن 500% من تأثير مياه البحر المالحة. ".
أسباب إنشائية
وعِوضا عن الأسباب البيئة السابقة والتي لا يزيد وزنها كقيمة عن (10%) من أسباب إنهيار المباني في مصر، تناول أيضا الأسباب الإنشائية.
واعتبر أن أخطر تلك الأسباب الإنشائية هو قيام (المالك أو المستأجر) بعمل (تعديل بالإضافة أو بالحذف) لأي من العناصر الإنشائية بالمبنى على سبيل المثال، وهنا سأحكي حكاية شخصية ( في منزل الست أم العربي أمي، الله يرحمها كانت تسكن سيدة تعرف باسم (جميلة الجميلات) تقيم في الدور قبل الأخير والذي كان به (رد للداخل قرابة 2.0 متر) فقررت تعديل التصميم واسترجاع (المردود) وزيادة مساحة البلكونة تلك الــ (2.0 متر) فأحضرت الكثير من الرمال والزلط والأسمنت وخزنت كل تلك الأحمال في البلكونة لحين وصول المقاول لتنفيذ الكابولي الخرساني وزرع أسياخ لزيادة عرض البلكونة (2.0 متر).
وأشار إلى أن "ثقل هذا التخزين والذي زاد بسبب المطر تسبب في توليد (عزوم على أعمدة البيت الخارجية) مما أدى لتشرخها".
ولفت إلى أن هذا الأمر كان في نهاية عام 1986، وأنشأت (جميلة الجميلات) بلكونتها وتشرّخ المبنى بالكامل، وفي كل عام كانت المرحومة أمي تطلب مني إرسال (فلوس بخصوص) عمل عَمْرَة للمبنى مشاركة مع الجيران، يعني (جميلة الجميلات) وسعت البلكونة والعبد لله يدفع تكاليف الإصلاح وإلى وقت قريب، حيث فر معظم السكان من المبنى، ولم يبق به غير شقة أو 2 لازالت مشغولة وتوقف معها نزيف (العَمْرة السنوية).".
وخلص إلى حكاية (جميلة الجميلات) رمزية وأن الأمر هو: ظاهرة عامة منذ عشرات السنين ينفذ في الإسكندرية وبإذن من مهندس (الحي) (وما أدراك ما مهندس الحي؟) وهي إشارة للتدليس والرشاوى.
ناظر مدرسة الفساد
واعتبر حافظ أن محافظ إسكندرية اللواء عبد السلام المحجوب ضابط الجيش ونائب رئيس الأمن الوطني ناظر (مدرسة الفساد) التي تخرّج منها (كامل الوزير) ، مشيرا إلى فيديو ل"كامل الوزير وهو يسمح للمهربين بالتهريب عبر الحدود، مقابل دفع (عرق الجيش) نفس العقلية، حيث (قنن ) عبد السلام المحجوب منذ عام 1999 حتى عام 2008 تقريب (الرشوة) فبدل ما ترشي (مهندس الحي) ارشِ المحافظ رسميا، وتحصل على الترخيص اللازم لتعلو بالمبني كيفما تشاء.
وأوضح أنه "كما كان مهندسو الحي مرتشين امتلأت الإسكندرية بالمكاتب الاستشارية لأساتذة كبار (يختمون الأوراق الرسمية) بختم المكتب الاستشاري حتى دون أن يفتحوا الملف، المهم أن تدفع رسوم ختم المكتب الهندسي الاستشاري، بالمناسبة كان لي أحد أقربائي والذي كان يعمل بمحافظة الإسكندرية كان لديه هو وبعض المقربين منه (أختام مزورة) تشبه أختام المحافظ وسكرتريته الجميلة (مدام عفاف) والتي تم القبض عليها فيما بعد أن وصلت ثراوتها لأكثر من (30 مليون جنيه) عام 2007، ففساد عبد السلام المحجوب لم يكن فسادا لشخصه فقط، بل لجميع من لديه نفوذ داخل المحافظة حتى (سكرتيرة المحافظ المليونيرة).
وقال: "من مصايب عبد السلام المحجوب (حبيب شعب الإسكندرية) أنه سمح بتعمير مناطق عشوائية بدون أي تخطيط منظم لعملية النمو العشوائي لمنطقة (الحضرة الجديدة+ سيوف+ العوايد) ومناطق أخرى لا أتذكر أسماءها، ولكنها على نفس منوال الحضرة الجديدة".
وأوضح أن "مشكلة الحضرة الجديدة وغيرها من العشوائيات في الإسكندرية أنها في الأصل مناطق زراعية طينية تم بناء معظمها باستخدام (أساسات سطحية وليست عميقة) ، بالطبع التربة الطينية يمكن البناء عليها لعدد (محدود) من الأدوار لا تزيد عن (ثلاث أو أربع أدوار) ولكن أن تعلو لأكثر من 10 أدوار باستخدام أساسات سطحية منعزلة فهذا هو الجنون بنفسه، ويمكن لأي من سكان الإسكندرية اليوم أن يمر بأي شارع من شوارع الحضرة الجديدة ليرى كيف أن الأدوار العليا في المباني على جانب الشارع الأيمن تميل بشدة في اتجاه المباني على جانب الشارع الأيسر، معظم المباني وليس (كلها) يوجد بها ميول في اتجاه واحد أو فى اتجاهين ".
ارتفاعات بعلم المحجوب
وأكد أن فساد اللؤاء عبد السلام محجوب والذين معه تسبب في زيادة الارتفاعات وإضافة طوابق عدة على مبان قديمة، مما أدى لانخفاض (معامل الآمان) والذي كان عند التصميم يعادل (2.5 تقريبا) صار اليوم (قريبا من 1.0).
وأضاف أن انخفاض معامل الآمان (قريبا من 1.0) تخيل أنك موظف حكومي ودخلك الشهري يعادل (10000 جنيه) ومتطلبات بيتك تعادل تحديدا (10000 جنيه) حينئذ يقال عنك أنك مستور وعايش على (الحروجرج) طيب تخيل لو طفل من أولادك أُصيب بمكروه (بعد الشر عن السامعين) وتطلب الأمر أن تصرف عليه (5000 جنيه) كل شهر عندئذ ينخفض (معامل الستر عنك بنسبة 50% وتنهار) ، إنما لو كان مرتبك (25000 جنيه شهريا) ومتطلبات بيتك (10000 جنيه) وصرفت على طفلك (5000 جنيه) فأنت لازالت تحت مظلة (الستر) ولا تنهار مثلما كان راتبك (10000 جنيه) وعايش على (الحروجرج).
تظافر عوامل السقوط
وأعاد مجددا الحديث عن معامل الأمان وهو الذي يمكن المبني من مقاومة الأحمال (الأصلية للتصميم) + (أحمال الطوارئ) أي الأحمال الناتجة عن نقص مقاومة التربة بسبب (أملاح مياه الصرف الصحي) أو بسبب هبوب رياح شديدة تزيد من الأحمال الأفقية والعزوم) أو حتى زلزال بقوة (4.5 – 5.0 ريختر) هذا هو (معامل الستر أي معامل الأمان) والذي تم تخفيضه خلال فترة حكم اللؤاء المحبوب لشعب الإسكندرية (عبد السلام المحجوب)، ويمكنك تحليل مشكلة عمارة الأزاريطة كمثال على نزاهة هذا المحافظ.
ومن أبرز عوامل السقوط ما حدث بعد "ثورة 25 يناير 2011 قام المئات من قيادات الحزب الوطني بالإسكندرية بشراء الآلاف من البيوت القديمة بأسعار بخسة ثم توالي (الكاحول) بتخريب أساسات البيت القديم ليصدر لهم قرار إزالة وأيضا قرار بناء عمارة يزيد إرتفاعها عن 15 أو 18 دور في شوارع عرضها لايزيد عن 6.0 متر ، كان نتيجة هذا القرار هو (إزالة لبيت بسيط وخفيف) وبناء (مبنى ثقيل مكانه) مما تسبب في زيادة إجهادات التربة تحت المباني الجديدة والتي وزعت تلك الإجهادات على جيرانها أصحاب المباني القديمة فتسببت في حدوث (هبوط وشروخ) في مباني الجيران، وهذا هو أهم (سبب واقعي اليوم) في إنهيار المباني القديمة والتي ما كان لها أن تنهار ما لم يبني قيادات الحزب الوطني تلك المباني المرتفعة الثقيلة عندما كان القانون في إجازة، هذا السبب تحديدا تعادل قيمته قرابة (50% من القيمة الكلية لأسباب انهيار المباني في الإسكندرية)". بحسب محمد حافظ.
الحفر والإنشاءات الحديثة
ومن أبرز عوامل السقوط ألا "يحترم صاحب المبنى الجديد الثقيل أي حقوق للجار فيبدأ في عمليات الحفر العميق لإنشاء أساسات المباني الجديدة دون الأخذ في الاعتبار معايير (سند جوانب الجار) وبهذ يتسبب في زعزعة استقرار التربة المحيطة، خاصة إذا كانت التربة رملية أو مشبعة بالمياه كما هو الحال في مناطق كثيرة من الإسكندرية، هذا الاضطراب يمكن أن يسبب تصدعات أو انهيارات جزئية في المباني القديمة المجاورة."، بحسب الأكاديمي الرافض للانقلاب.
إهمال الصيانة
وعن إهمال الصيانة، قال محمد حافظ: "ذات مرة كنت في سويسرا وشاركت في جولة سياحية مع الفندق، وذهبنا مع المرشد السياحي لزيارة عدد من المباني القديمة ليست قصورا ولا مباني حكومية، بل مباني سكنية للمواطنين، ويبلغ عمر المبني أكثر من (600 عام ولازال يقيم به بعض الموظفين لوزارة السياحة السويسرية اليوم) فسألت كيف لمبنى سكني أن يعيش لأكثر من 600 عام ولا يبدوا عليه أي آثار لأي علمات الانهيار، فجاءت الإجابة السحرية إنها (الصيانة).
وخلص إلى أن "أي مبنى بدون صيانة يمكن أن يخسر من عمره أكثر من 50%، فالصيانة هي روح المبنى تماما مثلما أن الصيانة هي روح السيارة. ".
وأكد أن "قانون الإيجار القديم وعدم دفع المستأجرين لمصاريف الصيانة، ساهم كثيرا في تدهور حالة هذه العقارات القديمة نسبيا ، وبدون وجود قانون ملزم يجعل السكان شركاء في صيانة المبنى وليس صاحب المبنى الفقير فلسوف يستمر مسلسل انهيار المباني في الإسكندرية للأبد".
