يضم حي الخرنفش الجمالية متفرع من شارع المعز لدين الله مبنى من الأهمية بمكان وهو: (دار كسوة الكعبة) التي تأسست عام 1233هـ، وما زالت هذه الدار موجودة إلى الآن، ولكنها تتعرض للإهمال المتعمد فيما يبدو، حيث المنطقة بها آثار إسلامية رممت بطول شارع المعز، بعد أن ظلت تعمل الدار حتى عام 1962م، وكان يقام حفل رسمي كبير في الخرنفش أمام مسجد القاضي عبد الباسط قاضي قضاة مصر و وزير الخزانة العامة والمشرف على صناعة الكسوة الشريفة، ثم تخرج الكسوة في احتفال بهيج ويخرج وراءها معظم جموع الشعب المصري إلى ميدان (الرملية) بالقرب من القلعة.
ومنذ وقت مبكر تناولت الصحافة المحلية الإهمال الذي تتعرض له الدار، وكيف أنها باتت مأوي للثعابين إلا أنه لا حياة لمن تنادي.
الباحث الأثري مجدي رمزي قال: إن "قرونا عدة اعتادت فيها الكعبة المشرفة الاكتساء بالقماش المصري المعروف بـ"القباطي " ( أثواب بيضاء رقيقة كانت تصنع بمدينة الفيوم ) .
و القليل من أهالي الحي ( درب الخرنفش بحي الجمالية ) يتذكر رحلات المحمل التي كانت تخرج من دار الكسوة، و التي كانت تحمل كسوة الكعبة في زفة شعبية كبرى على الجمال إلى مسجد الحسين، ثم مسجد الجعفري متجهة إلى السويس و ميناء العقبة في رحلتها الشهيرة إلى الأراضي المقدسة.
طه محمد من سكان المنطقة قال: "أتذكر آخر كسوة خرجت من هذا المكان محملة على الجمال قبل أن تعود مرة أخرى و تحتفظ بها الأوقاف في مخازن الدار أكثر من ثلاثين عاما ثم تم نقلها لمخازن الأوقاف عام 2000".
وأضاف طه " كنت ألعب داخل الدار و أصدقائي و أتجول في العنابر متعجبا من النسيج الذهبي الذي يكسو الحروف و كان يقوم به الصناع الذين انقرضوا جميعا الآن بمهارة شديدة، و لم يبق أحد منهم على قيد الحياة، لافتا إلى أنه سمع منذ عام بتحويل الدار لوزارة الآثار ما أثار فرحة أهالي درب الخرنفش لإمكانية الاهتمام بها و إعادة ترميمها مرة أخرى ".
خلاف مع السعودية
وتوقف خروج الكسوة نهائيًا في عام 1962 إثر خلاف سياسي بين مصر و السعودية ونقلت معدات صناعة الكسوة إلى مخازن تابعة لوزارة الأوقاف لتأكلها أيدي الإهمال .
وتشير تقارير إلى أنه لم يعد من الممكن التعرف على دار الكسوة إلا من خلال أهالي الحي، فالباب الخشبي المميز لها تآكل بفعل الزمن، ما دفع وزارة الأوقاف إلى تعزيزه ببوابة حديدية كبيرة بهدف الحفاظ على المكاتب الخشبية و الكراسي و السيارات المتهالكة القديمة التي تحتفظ بها داخل أروقة وعنابر الدار .
وتراكمت الأتربة على اللوحة المعدنية المكتوب عليها "دار الكسوة المشرفة" حتى طُمست الأحرف لتختفي كل معالم الدار ومن الخارج سقطت واجهة السور بفعل الرطوبة .
وداخل الدار لم يتبق من أشجار الفاكهة و النخيل التي كانت تميز الدار – بحسب كُتب التاريخ – سوى شجرة واحدة و نخلة و انتشرت بالطرقات وعلى أسطح العنابر القمامة، فضلا عن التصاق الصرف الصحي بالعنابر ما أثر على حالتها البنائية .
وحوت الدار المغلقة بالأقفال و الباب الحديدي الحديث و كان يحوي ثلاثة عنابر بالدور الأسفل يستخدمون كمخازن ومكان لمبيت الجمال التي كانت تحمل الكسوة أثناء نقلها لمكة المكرمة و بالدور العلوي ثلاثة عنابر أخرى و مكتب لتصنيع الكسوة .
وقال الأثري عبد الله إبراهيم موسى مدير منطقة آثار مرسى مطروح للآثار الإسلامية والقبطية، إن دار الكسوة تراث مصري أصيل ارتبط بالرحلة النورانية للحج.
وأضاف "كان للمصريين علاقة فريدة ومميزة بموسم الحج، تمثلت في قيامهم بتصنيع كسوة الكعبة الشريفة، وتعود بداية إرسال الكسوة إلى زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي أمر بشراء الكسوة من مصر التي اشتهرت وقتها بالنسيج «القباطي» نسبة إلى الأقباط المصنع من الكتان والصوف، والذي تميزت به مدينة «تنيس» وقريتي «تونة» و «شطا» قرب دمياط، وفي ظل الخلافة الأموية انتقل تصنيع الكسوة إلى دمشق ثم عاد مرة أخرى إلى مصر في ظل الخلافة العباسية، وتحول موضوع صناعة الكسوة إلى مناسبة سياسية مهمة في عهود الدول الفاطمية والمملوكية والعثمانية.
وأشار إلى أن مصر صنّعت الكسوة وتحملت تكلفتها، وإرسالها في موكب مهيب إلى مكة، وهو ما عُرف باسم «المحمل الشريف» كان المحمل يطوف بشوارع القاهرة قبل توجهه إلى الحجاز، ترافقه الموسيقى والرقص بالخيول وكانت المحال تزين واجهاتها احتفالاً بهذه المناسبة.
وكان يتقدم المحمل أمير الحج ومعه جنود الحراسة ورجال الطرق الصوفية، وتطور تنظيم المحمل في عهد محمد علي باشا، فقرر أن تكون تكلفة الكسوة من الخزينة العامة للدولة، بعد أن اعتمدت فترة طويلة على عائد الأوقاف المخصصة لهذا الغرض.
وسميت دار الكسوة باسم دار الخرنفش لتصنيع الكسوة، ومنها كانت تخرج الكسوة في وقت الحج إلى منطقة الرميلة بالقرب من القلعة مقر الحكم، حيث كان يعقد احتفال ضخم بهذه المناسبة، وكان يدعى إليه علماء الدين والأمراء والنبلاء وكبار الموظفين وقادة الجيش وكبار الأعيان والتجار مرتدين ملابس التشريفة، فينتظرون حتى حضور الحاكم في مركبته التي تجرها الخيول ويحيطها الفرسان قضت المراسم بأن يقوم الحاكم بتقبيل احد اجزاء الكسوة ثم يأمر أمير الحج» بالانصراف فيتجه إلى شارع محمد علي فسوق السلاح في الدرب الأحمر وصولاً إلى باب زويلة والغورية، فالسكة الجديدة إلى مسجد الحسين، ثم يتجه المحمل إلى العباسية ومنها إلى مدينة السويس للسفر بحرًا، وبعد انتهاء موسم الحج، يعود المحمل حاملا معه الكسوة القديمة.
وكشك المحمل، مكان يحمل تاريخ شريف وذكريات لا تنسى وحقب تاريخية مهمة، يرجع تاريخه إلى عام 1864م حين بناه الخديو إسماعيل ليكون نقطة انطلاق خروج محمل كسوة الكعبة الشريفة من مصر إلى السعودية.
ويقع الكشك أسفل سور قلعة صلاح الدين نهايه منطقه عرب يسار بجوار مسجد الحاج محمد باشا في اتجاه ميدان السيدة عائشة، حيث كانت تصنّع الكسوة من خيوط الذهب والفضة والحرير وينقشها بكتابات مذهبة كبار شيوخ الخطاطين في دار مخصصة لها بالخرنفش، وتنقل بعدها للكشك لتنطلق منه في موكب المحمل.
https://www.facebook.com/photo/?fbid=122146853522397658&set=pcb.122146853666397658