أثار انتشار مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي موجة غضب واسعة في مصر بعد الكشف عما وصفه ناشطون بـ"فضيحة غذائية غيربعد مسبوقة"، حيث بيّنت تحاليل معملية أن عينات من عسل النحل المتوفر في الأسواق المصرية لا تطابق المواصفات، وتُصنف كمنتج "مغشوش" لا يحتوي على مكونات العسل الطبيعي.
وفى ظل غياب الأجهزة الرقابية بحكومة الانقلاب وتجاهلها للكوارث التى تشهدها الأسواق المصرية تزايدت شكاوى المواطنين من انتشار عبوات شاى مضروب وقهوة ونسكافيه مغشوشة وذات مذاق غريب ..
وكشفت صفحات «السوشيال ميديا»، عن تغير طعم الشاى والقهوة والنسكافيه، وتوقع بعض النشطاء استخدام الفحم وبرادة الحديد ونشارة الخشب فى تحضير الشاى المغشوش، واستخدام بعض المواد الكيميائية الخطيرة فى تحضير النسكافيه والقهوة.
ولمجاراة الشكاوى واثبات وجودها زعمت مباحث تموين الغربية أنها توصلت إلى أن وراء توزيع المنتج المغشوش شخصا يدعى «محمد إ. ع»، 35 سنة، مقيم بعزبة السبيل التابعة لمركز طنطا، وأنه يتوخى الحرص فى تعاملاته، حيث يوصل منتجاته إلى المتعاملين معه فى سرية تامة.
وكشفت التحريات أنه يقلد ماركة تجارية معروفة للشاى، وزن 250 جراما، وبفحص محتويات العبوات باستخدام مغناطيس، تبين أنها تحتوى على كميات كبيرة من برادة الحديد.
مقطع فيديو
ومع مرور الوقت وانتشار علامات تجارية كثيرة لمنتج «الشاى» داخل السوق تسللت عصابات وتمركزت فى محافظات الجمهورية واتخذت من أوكارها وسيلة لتعكير مزاج المصريين بالشاى المغشوش المصنوع من التراب وغيرها من المواد الغريبة، وهو ما أوضحه مقطع فيديو تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعى كشف عن ضبط مصنعين غير مرخصين يقلدان العلامة التجارية لمنتجات الشاى والنسكافيه والبيكنج بودر.
لم يتوقف الأمر على الشاى فقط، بل انتشرت الفترة الأخيرة ظاهرة غش البن من قبل مُصنعيه، نتيجة ارتفاع سعره مقارنة بالعام الماضى، وهو ما تسبب فى تغير مذاقه ولونه وكثافة الوش، نتيجة وجود إضافات على البن منها «البازلاء والقمح ونوى البلح وبيكربونات الصوديوم».
الأجهزة الرقابية زعمت أنها وجهت حملات لمناطق الشكاوى أسفرت عن ضبط كميات كبيرة متداولة من البن المغشوش تُباع فى الأسواق وهو ما يُعرض صحة المواطنين للخطر والإصابة بأمراض عديدة، خاصة أنها تحتوى على مواد ضارة، مثل البكتيريا أو الفطريات أو السموم، التى تصيب ضحاياها بأعراض حساسية تجاه مكونات القهوة غير الأصلية، مثل الجلسرين أو السكر، كما تسبب مشاكل فى الجهاز الهضمى مثل الإسهال أو الإمساك.
برادة الحديد
من جانبها أكدت الدكتورة أمل السفطى، مدير مركز السموم الأسبق، أنه رغم بساطة كوب الشاى وارتباطه اليومى بحياة ملايين الناس، إلا أن هذا المشروب الشعبى لم يسلم من الغش التجارى، حيث يلجأ ضعاف النفوس فى بعض الأسواق إلى خلط الشاى بمواد غريبة مثل برادة الحديد ونشارة الخشب بهدف زيادة الوزن أو تحسين اللون، دون أى اعتبار لما قد تسببه هذه المواد من كوارث صحية.
وقالت د. أمل السفطى فى تصريحات صحفية انّ برادة الحديد سمّ يذوب مع الغليان، موضحة أن إضافة برادة الحديد إلى الشاى لا تقتصر على التلاعب بالمظهر، بل تتحول إلى خطر حقيقى عند غلى الماء، موضحة انه مع ارتفاع درجة الحرارة، تبدأ جزيئات الحديد فى التحلل أو الذوبان الجزئى، مما يؤدى إلى دخول كميات صغيرة من المعدن إلى الجسم.
وأشارت إلى أن هذه الجزيئات، تتسبب فى تهيّج المعدة والجهاز الهضمى، كما تتراكم فى الكبد والكلى وتسبب مشاكل مزمنة فى وظائف الأعضاء.
واوضحت د. أمل السفطى أنه رغم أن نشارة الخشب المطحونة لا تذوب فى الماء، إلا أنها قد تُخلط بدقة مع الشاى لإعطاء قوام شكلى يوحى بأنه طبيعى، محذرة من أن وجودها فى كوب الشاى المغلى لا يؤثر فقط على المذاق، بل يحمل مخاطر صحية، منها انسداد فى الأمعاء الدقيقة أو تهيج فى القولون، وإدخال مواد كيميائية إلى الجسم فى حال كانت الأخشاب معالجة بمواد سامة، والتقليل من الفائدة الصحية للشاى نفسه، إذ تمتص النشارة بعض مضادات الأكسدة الطبيعية فيه.
اكتشف الغش
وقالت إن شرب الشاى المغشوش ببرادة الحديد أو نشارة الخشب لا يؤدى إلى تسمم مباشر فى معظم الأحيان، لكن الضرر تراكمى، بمرور الوقت، لافتة الى أن الشخص قد يعانى من آلام مستمرة فى البطن، واضطرابات فى الجهاز الهضمى، وضعف فى المناعة والشعور بالإرهاق العام، وعلامات غامضة لفقر الدم أو التهابات مزمنة.
وأوضحت د. أمل السفطى أنه من الممكن اكتشاف الغش بالخطوات التالية مراقبة لون الشاى: فالشاى الطبيعى يعطى لوناً بنياً مائلاً للاحمرار، وليس أسود فاحماً فى ثوانٍ.
الانتباه للطعم: المذاق المعدنى أو الخشبى قد يكون دليلاً على الغش.
افحص بقايا الكوب: ترسبات ثقيلة أو لامعة فى قاع الفنجان قد تشير إلى وجود برادة حديد.
اشترِ من مصادر موثوقة، وتجنب المنتجات السائبة أو غير المعروفة.
جنحة وليست جناية
وارجعت الخبيرة القانونية نهى الجندى، انتشار غش المواد الغذائية بصفة عامة إلى ضعف العقوبات القانونية وافلات من يقومون بالغش من العقوبة بسهولة وذلك وفق القانون رقم 213 لسنة 1960 فى شأن تنظيم تعبئة وتجارة الشاى .
ونوهت نهى الجندى فى تصريحات صحفية، إلى انّ أقصى عقوبات على فساد منتج غذائى أو أى منتج يتناوله الإنسان وبيعه منتهى الصلاحية أو مغشوش تصل حسب القانون للغرامة والحبس، مشيرة إلى أن هناك ثغرة تتمثل دائما فى الحكم بالغرامة وإلغاء الحبس ما يتيح للتجار الاستمرار فى الاتجار بصحة المواطنين وعافيتهم باعتبار الجريمة جنحة وليست جناية.
وأشارت إلى أنّ هناك العديد من هذه الوقائع الخاصة بالاتجار فى الأغذية الفاسدة أو غيرها لا تصل بشكل أو بآخر إلى المحكمة لأن التاجر مقترف الجريمة قد اقترف العديد من الجرائم المماثلة بالاتجار فى الأغذية لتطبيق «ظرف العود» عليه.
وشددت على ضرورة أن تكون العقوبة الحبس مع النفاذ وإدراج تلك الجريمة ضمن الجنايات وليس الجنح ، لأنها لا تقل فى أهميتها عن جريمة السرقة والسلاح الأبيض، مشيرة إلى أن القانون الحالى يقلل من خطورة تلك الجريمة وهو ما يؤدى الى انتشارها وتهديد صحة المواطنين .
