85% من إيرادات الدولة ضرائب.. فأين تذهب أموال مصر من قناة السويس والبترول والذهب والمخالفات والإتاوات؟

- ‎فيتقارير

 

في وقت تُراكم فيه حكومة الانقلاب بقيادة السفيه السيسي ديونًا داخلية وخارجية غير مسبوقة، وتقلّص من مخصصات الصحة والتعليم إلى ما دون الحدّ الدستوري، أثار مشروع الموازنة العامة للعام المالي 2025–2026 موجة غضب نيابي وشعبي، وسط تساؤلات متزايدة عن مصير العوائد السيادية من قناة السويس، والبترول، والذهب، والتجارة، والصناعة، وكذلك إيرادات الخدمات العامة التي يدفعها المواطنون بشكل مباشر.

 

ووفق ما تم عرضه في برلمانه الانقلابي نفسه ، فإن 85% من إجمالي إيرادات الدولة المتوقعة في الموازنة الجديدة مصدرها الضرائب، ما فتح باب التساؤلات: إذا كان الشعب يتحمل الجزء الأكبر من عبء الإيرادات، فأين تذهب أرباح الأصول العامة؟

 

ويتساءل اقتصاديون ومراقبون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن غياب الشفافية فيما يخص إيرادات قطاعات حيوية مثل قناة السويس، وقطاع الطاقة، والصناعات الوطنية، والذهب، فضلًا عن العوائد المباشرة من رسوم استخراج الوثائق الرسمية (كالرقم القومي، وجوازات السفر)، والمخالفات، ورسوم الخدمات الحكومية. ويؤكد هؤلاء أن هذه الإيرادات، بدلاً من توجيهها نحو تحسين مستوى معيشة المواطنين أو دعم التعليم والصحة، تذهب وفق تعبيرهم "لجيوب نخبة متنفذة من الأجهزة السيادية"، في إشارة إلى نفوذ مؤسسات الجيش والشرطة والقضاء، بالإضافة إلى امتيازات ضخمة يتمتع بها أعضاء البرلمان، الذي يرى كثيرون أنه "ترس في منظومة محاصصة فاسدة".

 

وفي أولى جلسات مناقشة الموازنة، في برلمان الانقلاب رفض عدد من النواب مشروع الحكومة، معتبرين أنه "الأضعف والأكثر تحميلًا للمواطن"، ووصفه النائب أحمد فرغل بأنه "الموازنة الأسوأ في تاريخ الدولة"، متسائلًا عن جدوى مخصصات لا تكفي لمعاش يومي للفقراء، ولا تستوفي الحد الأدنى من الإنفاق على الصحة والتعليم، في وقت تُضخ فيه أموال طائلة لسداد فوائد ديون ضخمة.

 

من جانبها، انتقدت النائبة مها عبد الناصر تخصيص 65% من الإيرادات لسداد خدمة الدين، و1.5% فقط للتعليم، معتبرة أن مصر في ذيل قائمة الدول العربية والأفريقية من حيث الاهتمام بالتعليم، على عكس إسرائيل أو إيران التي تولي التعليم أولوية في موازناتها.

 

وفي السياق ذاته، قال النائب ضياء الدين داوود إن الدين العام وصل إلى نحو 11.5 تريليون جنيه، مقابل أقل من 4 تريليونات قبل 7 سنوات، مشيرًا إلى أن فوائد الديون وحدها تلتهم قرابة 2.3 تريليون جنيه في الموازنة الجديدة، بينما تصل أقساطها إلى أكثر من 2 تريليون جنيه أخرى، وهو ما يعتبره "عبئًا ساحقًا يستحيل تحمّله دون إصلاح هيكلي حقيقي".

 

النائب محمد سعد بدراوي، طالب الحكومة بخفض نسبة الضرائب إلى 60% من الإيرادات، منتقدًا ما وصفه بـ"انكماش مشاركة الاقتصاد الحقيقي" — الزراعة والصناعة — في توليد الدخل، حيث لا يتعدى نصيبهما مجتمعين 15%.

 

ووسط هذا الجدل، حاول وزير المالية أحمد كجوك طمأنة النواب بأن الحكومة تستهدف خفض الدين العام إلى 82% من الناتج المحلي، وزيادة الإنفاق على الحماية الاجتماعية، لكنه لم يجب صراحة عن تساؤلات متكررة بشأن مصير الإيرادات السيادية غير الضريبية، أو الفجوة التمويلية المتوقعة والتي تتجاوز 3.6 تريليونات جنيه (نحو 70 مليار دولار).

 

في المقابل، أظهرت الأرقام تراجعًا حادًا في دعم الوقود بنسبة 51%، ليصل إلى 75 مليار جنيه، وسط مخاوف من تفاقم الأزمة المعيشية للمواطنين، خاصة في ظل احتمالات ارتفاع أسعار النفط بسبب الصراع بين إسرائيل وإيران، ما قد يدفع إلى موجات تضخم جديدة، قد تشمل أيضًا العودة إلى خطة "تخفيف الأحمال" (قطع الكهرباء).

 

وسط كل هذه الأرقام والتعهدات، يظل السؤال المركزي معلقًا: أين تذهب أموال مصر؟ ولماذا لا تنعكس الإيرادات المتزايدة في حياة المواطن، أو على الأقل في ضمان حقوقه الأساسية في التعليم والصحة والسكن والخدمات؟ سؤال بات يتردّد يوميًا على ألسنة المواطنين، ويجد صداه حتى داخل برلمان النظام نفسه.

وكان مشروع قد أثار الموازنة العامة للدولة المصرية للعام المالي 2025-2026 جدلاً واسعاً تحت قبة البرلمان وعلى منصات التواصل الاجتماعي، وسط تساؤلات حادة عن مصير إيرادات أصول الدولة من قناة السويس، وقطاعي البترول والذهب، والتجارة والصناعة، في ظل اعتماد الحكومة شبه الكامل على الضرائب كمصدر رئيسي للدخل.

 

فبحسب مشروع الموازنة الجديد، تمثل الضرائب نحو 85% من إجمالي الإيرادات، ما دفع عدداً من النواب إلى الاعتراض، معتبرين أن الموازنة تهدد مستقبل البلاد اقتصادياً واجتماعياً، وتكرّس لعقود جديدة من الارتهان للديون.

 

وفيما يدفع المواطن مقابلاً مباشراً لخدمات أساسية مثل استخراج الرقم القومي وجواز السفر ورسوم المرور، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات، يتساءل مراقبون عن مصير هذه الأموال، وسط اتهامات موجهة للنظام بتوجيه الموارد لصالح أجهزة الدولة السيادية – من جيش وشرطة وقضاء – بالإضافة إلى امتيازات ضخمة يحصل عليها أعضاء البرلمان، في منظومة يُنظر إليها كأداة دعم للسلطة أكثر من كونها ممثلة حقيقية للشعب.

 

ديون تتضخم وحقوق تُهمّش

 

أرقام مشروع الموازنة كشفت عن تراجع كبير في مخصصات الصحة والتعليم إلى ما دون النسب الدستورية، مقابل تصاعد حاد في خدمة الدين.

 وقال النائب أحمد فرغل: إن "الحكومة بنت موازنتها على الضرائب، متجاهلة الالتزام بنسبة الـ10% المقررة للإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي، محذراً من أن الدعم الاجتماعي بات يقل عن دولار واحد يومياً للفرد، وهو ما وصفه بأنه انحدار غير مسبوق في الأداء الحكومي".

 

رد الحكومة: أهداف طموحة وموازنة مضغوطة

 

من جانبه، أكد نائب وزير المالية بحكومة الانقلاب أحمد كجوك أن الموازنة تهدف إلى خفض الدين العام، وزيادة الإنفاق على الحماية الاجتماعية، وتوجيه الدعم للقطاعات الأكثر احتياجاً، وقدّر إجمالي الإيرادات بـ3.1 تريليونات جنيه، مقابل مصروفات تبلغ 4.6 تريليونات، فيما يبلغ العجز نحو 1.5 تريليون جنيه، وسط فجوة تمويلية تقدر بـ3.6 تريليونات جنيه (ما يعادل 70 مليار دولار).

 

كما خصصت الموازنة 679 مليار جنيه لأجور العاملين، و22 ملياراً لدعم الأدوية، في حين تم تقليص دعم المواد البترولية بنسبة 51%، ليصل إلى 75 مليار جنيه فقط، مع دعم محدود للكهرباء وتوصيل الغاز الطبيعي.

 

ضرائب وديون متفاقمة

بين موازنة تعتمد على الضرائب وديون متفاقمة، وبين تهميش قطاعات حيوية كالصحة والتعليم، تتزايد التساؤلات الشعبية والبرلمانية حول مصير إيرادات مصر الحقيقية، وسط اتهامات بأن النظام يوجهها لصالح بقاء السلطة وتغذية أجهزتها، وليس لصالح المواطن الذي بات يدفع الثمن مرتين: من دخله المباشر، ومن تراجع الخدمات الأساسية.

 

المشهد لا يبدو اقتصادياً فحسب، بل سياسيا بامتياز، يعكس أزمة حكم قبل أن يكون مجرد أزمة أرقام.