حذر رئيس أركان الجيش الإثيوبي من تهديد أمني ناجم عن الوجود العسكري المصري في الصومال، ففي إفادة للبرلمان الإثيوبي في أديس أبابا خلال عطلة نهاية الأسبوع، قال المشير برهانو جولا، رئيس هيئة أركان قوات الدفاع الوطني الإثيوبية: إن "قوات أجنبية داخل الصومال تعمل تحت غطاء التعاون، لكنها تحمل نوايا استراتيجية قد تزعزع استقرار إثيوبيا".
ونقل موقع “هيران” الصومالي عن "برهانو" قوله: “التهديد حقيقي، هناك قوات أجنبية داخل الصومال، ونواياها الإستراتيجية تثير قلقًا بالغًا بالنسبة لأمن إثيوبيا.” وهو ما يعني أن إجراء دفاعيا يمكن أن تتخذه إثيوبيا حيال القوة المصرية الموجودة في الصومال بحسب مراقبين نظرا لسيولة الموقف الأمني في الصومال ووجود مليشيات معارضة يمكن أن تتبنى عمليات.
برهانو لم يذكر مصر بالاسم، ولكن تحليلات لموقع (الدفاع العربي) أشارت إلى أن تصريحاته تأتي بعد تقارير مؤكدة أفادت بأن القاهرة وقّعت اتفاقية تعاون عسكري مع الصومال في أغسطس 2024، تتضمن نشر ما يصل إلى 10 آلاف جندي مصري — نصفهم تقريبًا تحت مظلة بعثة الاتحاد الإفريقي (AUSSOM)، والبقية ضمن اتفاق ثنائي مباشر، إضافة إلى بنود تتعلق بنقل الأسلحة.
وسبق أن دافعت الحكومة الصومالية عن شراكتها مع مصر، معتبرة أنها جزء من جهود إعادة بناء الجيش الوطني وتعزيز التعاون الإقليمي. وأكد مسؤولون صوماليون أن مشاركة مصر في بعثة AUSSOM تمت بموافقة الاتحاد الإفريقي، ولا تشكل تهديدًا للدول المجاورة.
إلا أن أديس أبابا ترى في هذا الترتيب العسكري بوادر تطويق استراتيجي محتمل، خصوصًا في ظل التوترات المزمنة مع مصر بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير، وفي هذا السياق، قال برهانو: “وجودنا في الصومال كان دومًا بهدف دعم السلام ومكافحة الإرهاب، لكن البيئة الإقليمية تتغير، وعلينا إعادة تقييم ما يخدم مصلحتنا الوطنية.”
وجاء توقيت الاتفاق المصري مع الصومال بعد أشهر فقط من توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مثيرة للجدل مع إقليم أرض الصومال في يناير 2024، حصلت بموجبها على منفذ بحري على البحر الأحمر مقابل احتمال الاعتراف بالإقليم — وهي خطوة رفضتها الحكومة الفيدرالية الصومالية بشدة ووصفتها بأنها انتهاك لسيادتها.
ورغم جهود الوساطة التي قادتها تركيا لتهدئة التوتر بين مقديشو وأديس أبابا، فإن إثيوبيا لم تتراجع عن الاتفاق، فيما تواصل حكومة أرض الصومال الدفاع عنه باعتباره اتفاقًا مشروعًا.
بدائل مصرية
خارجية السيسي في 15 ديسمبر الماضي، أكدت "دعم مصر الكامل للحكومة الفدرالية في الصومال، ومكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار، ومواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا تنفيذا لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك“. هذا البيان الرسمي يشير إلى أن مصر لن تتخلى عن الورقة الصومالية، كما أنها عازمة على استمرار قوات حفظ سلام للعمل ضمن القوات الأفريقية لمواجهة الإرهاب في الصومال، وهو ما قد يضع مقديشو في مأزق المواءمة بين العرض المصري والرفض الإثيوبي.
وكانت دراسة بحثية أشارت إلى البدائل الأساسية أمام مصر:
الأول، الاستمرار في التحالف الثلاثي مع كل من الصومال وإريتريا، على اعتبار أن الأمور لم تحسم بشكل نهائي في اتفاق أنقرة، وهنا سيكون عليها تكثيف التنسيق مع مقديشو، وتقديم مزيد من الدعم بشتى أنواعه، حتى تظل ورقة بيدها يمكن المساومة بها في وجه أديس أبابا، خاصة في ظل عدم وجود بوادر عن قرب حدوث انفراجة بشأن مفاوضات سد النهضة.
مضيفة أنه يمكن للقاهرة تمتين هذا التحالف بضم جيبوتي له، خاصة وأن الأخيرة كانت من أبرز المتضررين من الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال؛ حيث تمر عبر أراضيها 95% من التجارة الخارجية الإثيوبية، وتحصل في مقابل ذلك على رسوم تتراوح بين 1.5 مليار دولار وملياري دولار.
أما البديل الثاني، فهو توطيد القاهرة علاقاتها مع أنقرة في القرن الأفريقي تحديدا من أجل حلحلة أزمة سد النهضة، والاستفادة من علاقات تركيا الوطيدة مع النظام الإثيوبي، التي تمثلت في الاتفاق الأخير، وقبله في تقديمها المسيّرات لآبي أحمد في حربه على جبهة تيغراي، والتي لعبت دورا هاما في تغيير موازين المعادلة العسكرية لصالح النظام في أديس أبابا، فضلا –وهذا هو الأهم– عن خبرتها كدولة منبع في التعامل مع دول حوضي دجلة والفرات: العراق وسوريا.
وأكد عبد الفتاح السيسي في أكثر من مرة دعمه الكامل للصومال وسيادته ووحدة أراضيه، مما تم تفسيره في حينها بأنه رد فعل طبيعي بعد إعلان مصر في ديسمبر 2023 وقف مفاوضات سد النهضة بعد ماراثون طويل استمر 12 عاما بسبب المماطلة الإثيوبية.
ولم تكتفِ مصر بذلك، بل أرسلت معدات عسكرية للصومال، وأعلنت عزمها المشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية التي ستنتشر في هذه الدولة أوائل عام 2025 بدلا من القوات السابقة التي كانت تشارك فيها إثيوبيا بالعدد الأكبر. وهي الخطوة التي أثارت حفيظة أديس أبابا والدول الأخرى المؤيدة لها مثل أوغندا وغيرها، على اعتبار أن وجود هذه القوات يشكل تهديدا للأمن القومي الإثيوبي، وأنها (أي أديس أبابا) لن تسمح بها.
أما على الصعيد السياسي، فقد سعت مصر لتشكيل تحالف ثلاثي يضمّها مع كل من الصومال وإريتريا لإمكانية تشكيل جبهة مضادة لأديس أبابا، على اعتبار أن إريتريا أيضا انتقدت اتفاق رئيس الحكومة الإثيوبي آبي أحمد مع أرض الصومال كونه لا يأتي فقط على حساب موانئها التي تستخدمها إثيوبيا في عملية التصدير بمنطقتي مصوع وعصب الإرتيرية، بل وهذا هو الأهم تخشى أسمرة إمكانية قيام آبي أحمد بمحاولة الاستيلاء على ميناء عصب من جديد في ظل طموحاته التوسعية.
ويرى آبي أحمد أن أديس أبابا فقدت منفذها إلى البحر (المنفذ الإريتري) نتيجة خطأ تاريخي وقانوني، في إشارة إلى الموافقة عام 1991 على استفتاء استقلال أسمرة عن أديس أبابا، لذا وحسب بيان للحكومة الإثيوبية، فإنها تعمل منذ سنوات لتصحيح هذا الخطأ، وقد توجت التحركات المصرية لعقد قمة ثلاثية مصرية إريترية صومالية بأسمرة يوم 10 أكتوبر 2024، لتنسيق التعاون الأمني والدفاعي بين هذه البلدان.
ما بعد التوافق مع اثيوبيا
ومطلع 2024، أبرمت إثيوبيا، الدولة المغلقة بدون منافذ بحرية، اتفاقا مع منطقة أرض الصومال الانفصالية، نص الاتفاق على استئجار أديس أبابا منطقة على الساحل لإنشاء ميناء وقاعدة عسكرية، مقابل الاعتراف بأرض الصومال. وتكمن حساسية القضية في أن أرض الصومال، التي تقع في الطرف الشمالي الغربي من الصومال، أعلنت استقلالها من جانب واحد عام 1991 دون اعتراف دولي، حتى الآن، إلا من اثيوبيا مؤخرا..
وتعتبر الصومال، وهي جمهورية فدرالية تضم خمس ولايات تتمتع بحكم شبه ذاتي، أن الاتفاق يشكل تعدياً على سيادتها وسلامة أراضيها.
وتحرص الصومال على ألا تخسر مصر ومساندتها لها، فتواصلت الصومال بقوة مع القاهرة خلال أزمتها مع إثيوبيا عبر زيارة الرئيس الصومالي القاهرة مرتين هذا العام، في يناير مع بداية الأزمة وفي أغسطس 2023، للتوقيع على الاتفاق الدفاعي.
ويبدو أن الصومال حتى هذه اللحظة لا ترغب في خسارة مصر، خاصة وأن تفاصيل اتفاق أنقرة للاتفاق مع أثيوبيا والقضايا الخلافية لن تحل بين يوم وليلة، بل تستغرق ستة أشهر، وفق أستاذ العلوم السياسية والمختص بالشأن الأفريقي د.بدر حسن.
وأضاف "حسن" أن التوترات التي تشوب العلاقة مع أديس أبابا من حين لآخر، تجعل مقديشو لا تفرط بسهولة في القاهرة، على الأقل لحين إبرام اتفاق نهائي مع إثيوبيا، فضلا عن تأكيد ذلك عبر الممارسات الإثيوبية على أرض الواقع، لذا، ورغم ما يبدو أن مقديشو لم تقم بالتنسيق المبدئي مع مصر بشأن الاتفاق الأخير، إلا أنها حرصت بعد توقيعه مباشرة على التواصل –هاتفيا– وعبر وزير خارجيتها مع نظيره المصري لاطلاعه على ما تم التوصل إليه.