في خطوة تعكس تصاعد المواجهة بين السلطة التنفيذية والهيئات المهنية المستقلة، تتجه نقابة المحامين نحو إعلان إضراب عام شامل اعتبارًا من الأول من يوليو المقبل، احتجاجًا على ما وصفته بـ"الرسوم الجبائية التعسفية" تحت مسمى "الميكنة"، وسط غضب متصاعد تجاه ما يعتبره محامون محاولة لتأميم العمل النقابي وتهميش دوره، في الوقت الذي تُمنح فيه امتيازات واسعة للقضاة على حساب العدالة والمواطنين.
الإضراب، غير المسبوق في تاريخ النقابة، سيشمل مقاطعة شاملة لجميع جلسات المحاكم على اختلاف درجاتها، إضافة إلى الامتناع عن حضور التحقيقات أمام النيابة العامة. وتأتي هذه الخطوة بعد استطلاع للرأي أجرته النقابة، أظهر أن أكثر من 21 ألف محامٍ من أصل 36 ألفًا أيدوا التصعيد.
وقال عضو مجلس النقابة، ربيع الملواني: إن "النقيب عبد الحليم علام سيعلن رسميًا غدًا الثلاثاء تفاصيل تنفيذ الإضراب، مؤكدًا أن التحرك جاء ردًا على فرض رسوم جديدة وصفها بـ"الباهظة وغير الدستورية"، في مقدمتها رسم "مراجعة الحوافظ" بقيمة 33 جنيهًا عن كل ورقة، ورسوم مبالغ فيها للحصول على الشهادات والصيغ التنفيذية، وصلت في بعض الحالات إلى 242 جنيهًا.
ويُنظر إلى هذه الإجراءات المالية المفروضة من رؤساء بعض المحاكم باعتبارها جزءًا من اتجاه أوسع داخل الدولة لتضييق الخناق على النقابات المستقلة، وتقليص دورها في الدفاع عن أعضائها، في مقابل تغول السلطات القضائية، التي تحظى بامتيازات واسعة ولا تُمس قراراتها أو تخضع للمراجعة.
في المقابل، تشهد نقابات مهنية أخرى، وعلى رأسها اتحاد نقابات المهن الطبية، تحركات مماثلة ضد سياسات حكومية اعتبرتها تهديدًا مباشرًا لاستقرار قطاعات حيوية، لا سيما في مجال الصحة، فقد أعلن الاتحاد، الذي يضم نقابات الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان والبيطريين، رفضه التعديلات المقترحة على قانون الإيجارات القديمة، والتي تقضي بزيادة القيمة الإيجارية للوحدات غير السكنية من خمسة إلى عشرين ضعفًا، وإنهاء العلاقة الإيجارية خلال خمس سنوات.
وحذر رئيس الاتحاد، الدكتور أسامة عبد الحي، من تداعيات كارثية لهذا القانون على القطاع الصحي، لافتًا إلى أن أكثر من 21 ألف عيادة و30 ألف صيدلية مؤجرة معرضة للإغلاق أو رفع أسعار خدماتها بشكل يثقل كاهل المواطنين. وأوضح أن هذه التعديلات ستؤدي إلى فقدان آلاف الأطباء والصيادلة لعلاقاتهم بالمرضى، وتهدد بارتفاع غير مسبوق في تكلفة الرعاية الصحية، في وقت تتجه فيه الحكومة أيضًا لطرح أكثر من 40 مستشفى للقطاع الخاص المحلي والأجنبي، في خطوة يرى فيها كثيرون خصخصة مقنّعة للرعاية الصحية.
وبينما تشهد مصر هذا التوتر بين الدولة والنقابات، يرى مراقبون أن النظام يكرّس فلسفة التمكين لفئات بعينها داخل أجهزة الدولة، على رأسها القضاء، مقابل تهميش باقي المهن التي تمثل خطوط الدفاع الأولى عن الحقوق والعدالة الاجتماعية. فالرسالة التي ترسلها السلطة، بحسب هؤلاء، أن استقلال النقابات ورفضها للسياسات الحكومية سيقابل بإجراءات عقابية اقتصادية وتشريعية، في إطار مسار يهدف لتأميم المجال العام وتجفيف منابع المقاومة النقابية.
ومع اقتراب موعد الإضراب واشتداد نبرة الرفض النقابي، تتجه الأنظار إلى رد فعل الحكومة والقضاء، وما إذا كانت ستتراجع عن هذه القرارات أو تستمر في فرضها بالقوة، مما ينذر بأزمة واسعة ستكون لها تداعيات قانونية واجتماعية قد تمتد إلى قطاعات مهنية أخرى.
تتجه نقابة المحامين لإعلان إضراب عام بداية من أول يوليو المقبل، يشمل مقاطعة كل جلسات المحاكم في جميع درجات التقاضي والامتناع عن حضور التحقيقات أمام النيابة العامة، اعتراضًا على "رسوم الميكنة"، ومن ناحية أخرى، تتجه الحكومة لطرح أكثر من 40 مستشفى على مستوى الجمهورية أمام القطاع الخاص المحلي والأجنبي، لإدارتها وتشغيلها خلال الفترة المقبلة.
أعلن اتحاد نقابات المهن الطبية رفضه مقترحات الحكومة لتعديل قانون الإيجار القديم، المطروحة على مجلس النواب وتتضمن رفع الإيجارات من خمسة إلى عشرين ضعفًا، ثم تقرُّ زيادة سنوية إلى أن تنتهي العلاقة الإيجارية في الوحدات المؤجرة لأغراض السكن بعد سبع سنوات.
وفي بيان نشره اتحاد نقابات المهن الطبية، الذي يضم نقابات الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة والأطباء البيطريين، اعتبر رئيس الاتحاد ونقيب الأطباء أسامة عبد الحي أن هذه التعديلات تشكل "تهديدًا مباشرًا" لاستقرار القطاع الصحي خاصة في المناطق الشعبية، محذرًا من أن آثارها ستطال نحو 21 ألف عيادة مؤجرة و30 ألف صيدلية.
وأوضح كذلك أنه أرسل خطابًا إلى رئيس مجلس النواب المستشار حنفي جبالي، لإبداء تحفظه على التعديلات خاصة فيما يتعلق بالأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكنى، مثل العيادات الطبية والصيدليات، والتي تنتهي العلاقة الإيجارية فيها بعد خمس سنوات، وفق التعديلات التي تقترحها الحكومة.
وفصَّل عبد الحي في البيان المواد التي يرفضها اتحاد نقابات المهن الطبية، وعلى رأسها المادة الثانية التي تنص على انتهاء عقود الإيجار بالنسبة للوحدات غير السكنية بعد خمس سنوات، مؤكدًا أن هذا الإجراء "مرفوض تمامًا" لأنه يجبر الأطباء والصيادلة على نقل عياداتهم وصيدلياتهم "مما يستتبع إعادة إجراءات التراخيص، ويفقدهم ثقة المرضى، فضلًا عن الكلفة المالية الباهظة لذلك".
كما أعرب عبد الحي عن رفض المادة الخامسة التي ترفع إيجارات العيادات والصيدليات خمسة أمثال القيمة الحالية، مذكرًا بأن تلك الوحدات "سبق وأن خضعت لزيادات قانونية بموجب القانون رقم 6 لسنة 1997 وتعديلاته".
وحذر من أن تطبيق هذه الزيادة سيؤدي إلى أحد خيارين، كلاهما يضر بالمواطن، إما إغلاق العيادة أو الصيدلية، أو زيادة قيمة الكشف الطبي، ما يزيد الأعباء على المرضى.
كما أبدى الاتحاد تحفظًا على المادة السادسة التي تُقرُّ زيادة سنوية نسبتها 15% من آخر قيمة إيجارية، وطالب بالاكتفاء بالزيادة المقررة حاليًا في القانون بنسبة 10%، لتجنب المزيد من الضغوط على الأطباء والمواطنين.
وكشف عبد الحي أن عدد العيادات المؤجرة يصل إلى نحو 21 ألفًا من إجمالي 99 ألف عيادة، بينما يبلغ عدد الصيدليات المؤجرة نحو 30 ألفًا من إجمالي 90 ألف صيدلية، وهو ما يعكس حجم التأثير المتوقع لهذا القانون على القطاع الصحي حال إقراره.
اتجاه لإقراره أول يوليو.. "المحامين" تعلن غدًا آليات وموعد "الإضراب العام"
أعلن عضو مجلس نقابة المحامين ربيع الملواني أن النقيب عبد الحليم علام سيكشف غدًا الثلاثاء تفاصيل وآليات تنفيذ قرار الإضراب العام والمقاطعة الشاملة لكافة جلسات المحاكم، احتجاجًا على استمرار فرض ما يُعرف بـ"رسوم الميكنة"، في خطوة قال إنها حظيت بتأييد واسع من المحامين المشاركين في استطلاع رأي أجرته النقابة.
وكان الملواني أعلن أمس أن 21 ألفًا و231 محاميًا من إجمالي 36 ألفًا و184 محاميًا استطلعت النقابة رأيهم في الإضراب، أيدوا الامتناع عن الحضور أمام المحاكم والدخول في إضراب عام، في مقابل 1486 محاميًا رفضوا هذا الخيار.
وأضاف في فيديو بثته الصفحة الرسمية لنقابة المحامين على فيسبوك، أن 9 آلاف و182 محاميًا من المشاركين في استطلاع الرأي أيدوا خيار الاعتصام بمقار استراحات المحامين بالمحاكم، بينما رفضه 3 آلاف و531 محاميًا.
وحول طبيعة الإضراب، قال الملواني لـ المنصة إن الإضراب يشمل الامتناع عن حضور الجلسات في جميع درجات التقاضي، من الجنايات والجنح إلى المحاكم المدنية والاستئناف، وكذلك التحقيقات أمام النيابة العامة. وأضاف "لن نحضر تحقيقات النيابة، ولن ندخل قاعات المحاكم من الأساس"، واصفًا الإجراء بأنه "سابقة لم تحدث من قبل" في تاريخ النقابة.
وأشار الملواني إلى أنه يتبنى اتجاهًا داخل مجلس النقابة لإقرار أول يوليو/تموز المقبل موعدًا للبدء في الإضراب، على أن تستغل النقابة الأسبوع المقبل كله في إخطار المجلس الأعلى للقضاء ورؤساء المحاكم والنائب العام بالإضراب حتى يتم إثباته في محاضر الجلسات وتتوقف المحاكم على أثر ذلك عن إصدار أحكام الإدانة بحق المتهمين وتأجيل جلساتهم لحين فك الإضراب وعودة المحامين مجددًا لعملهم.
وأضاف الملواني أن تحديد ذلك الموعد يستهدف من ناحية أخرى منح مهلة أسبوع أخير لمجلس رؤساء محاكم الاستئناف لمراجعة قرارات فرض هذه الرسوم قبل دخول المحامين في الإضراب، لافتًا إلى أن أمر تحديد موعد بداية الإضراب سيخضع في النهاية لتصويت أعضاء المجلس "إلا أنه لن يبدأ على أقل تقدير خلال الأيام الثلاثة المقبلة بالنظر لإجراءات إخطار المحاكم السابق الإشارة إليها".
وبدأت أزمة الرسوم مطلع مارس/آذار الماضي بقرار أصدره رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار محمد نصر سيد استحدث بموجبه رسمًا جديدًا بمسمى "مراجعة الحوافظ" بواقع 33 جنيهًا عن كل ورقة، كما "يغالي في رسوم خدمات إصدار الشهادات لتصل إلى 60.5 جنيه للشهادة، وخدمة الحصول على صيغة تنفيذية من الأحكام التي وصلت إلى 242 جنيهًا"، حسب تصريحات سابقة لعضو مجلس نقابة المحامين ربيع الملواني.
وفي 8 مارس الماضي، أعلن مجلس النقابة العامة للمحامين رفضه لكل هذه القرارات "لتعارضها مع المشروعية الدستورية"، ملوحًا بوقف التعامل مع كل خزائن المحاكم بكل درجاتها في عموم الجمهورية كخطوة أولى في هذا الشأن.