في مشهد جديد يُجسد التخبط الاقتصادي لحكومة الانقلاب ، كشفت مصادر مطلعة أن وزارة البترول تبحث حاليًا رفع أسعار الغاز الطبيعي للمصانع خلال الشهور المتبقية من عام 2025، في خطوة قد تكون لها انعكاسات خطيرة على أسعار السلع الأساسية وارتفاع تكلفة المعيشة، وسط أوضاع اقتصادية متدهورة يعاني فيها المواطن من الغلاء والبطالة وانهيار الخدمات.
الخطوة الحكومية تأتي في أعقاب أزمة الغاز الأخيرة، التي اندلعت بسبب توقف إمدادات الغاز من إسرائيل مؤقتًا في يونيو الماضي، ما كشف هشاشة اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي الذي أصبح بديلًا رئيسيًا بعد تفريط النظام في حقوق مصر التاريخية في غاز شرق المتوسط لصالح تل أبيب، في اتفاقات أثارت غضبًا واسعًا في الأوساط الوطنية والحقوقية.
السيسي يمنح الغاز لإسرائيل.. والمواطن يدفع الثمن
المفارقة الصادمة أن النظام الذي صدّر للعالم شعارات الاكتفاء الذاتي من الغاز، ها هو اليوم يلجأ إلى استيراد أكثر من 60 شحنة غاز مسال من الخارج، ويستأجر وحدات تغييز بمليارات الدولارات، ليغرق البلاد في مزيد من الأعباء المالية بالدولار وسط أزمة شح العملة الأجنبية. وتُشير التقديرات إلى أن وزارة البترول قد تتحمل ما بين 10 إلى 15 مليار دولار خلال 2025 لتوفير الغاز المسال فقط، بحسب الخبير البترولي مدحت يوسف.
لكن بدلًا من مراجعة السياسات الكارثية التي أوصلت البلاد إلى هذا الوضع، يتجه النظام لتحميل القطاع الصناعي — وبالضرورة المستهلك النهائي — فاتورة الفشل، عبر رفع أسعار الغاز للمصانع، ما يعني زيادة مرتقبة في أسعار الأسمدة، والمنتجات الكيماوية، وحتى السلع الغذائية التي تعتمد على الإنتاج الصناعي.
التصدير أولًا.. والسوق المحلي في مهب الريح
بحسب مصادر من الشركة القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس"، فإن أحد المقترحات الحكومية يتضمن رفع السعر الأدنى للغاز من 4.5 إلى 5.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، مع زيادات إضافية للشركات التي تصدر منتجاتها للخارج، باعتبار أن هذه الشركات تستفيد من العائد الدولاري. وهذا الطرح يؤكد استمرار النهج الذي يُفضّل التصدير على تلبية احتياجات السوق المحلي، رغم معاناة المواطن من ارتفاع الأسعار واختفاء بعض المنتجات في السوق.
واللافت أن وزارة البترول تُفكر في استثناء مصانع الأسمدة والبتروكيماويات من هذه الزيادة، بعد أن تكبدت تلك المصانع خسائر تقدر بمئات الملايين نتيجة توقف الإمدادات، ما دفع بعضها للعمل بخط إنتاج واحد لتلبية طلبات وزارة الزراعة فقط.
أسعار السلع إلى ارتفاع.. والضغط على الطبقات الفقيرة مستمر
وتُشكل تكلفة الغاز ما بين 65 إلى 75% من تكلفة إنتاج الأسمدة، وهو ما يعني أن أي زيادة في سعر الغاز ستترجم تلقائيًا إلى ارتفاع كبير في سعر المنتج النهائي، سواء الموجه للتصدير أو للسوق المحلي. ووفق مصادر من اتحاد الصناعات، فإن هذا سينعكس بدوره على أسعار الغذاء والزراعة والإنتاج الحيواني، ما يعمّق الأزمة المعيشية في ظل غياب الدعم وتراجع الدخول.
أزمة مفتعلة أم نتيجة سوء إدارة؟
تطرح هذه التطورات تساؤلات كبرى: هل ما يحدث نتيجة أزمة عالمية حقيقية، أم هو ثمن لاتفاقات مشبوهة أبرمها النظام مع إسرائيل، أضاعت بها مصر ثرواتها؟ ولماذا لا تتم مساءلة من فرّط في غاز المتوسط، قبل تحميل الفقراء ثمن الغاز المستورد؟ وهل وصلت الدولة إلى مرحلة الإفلاس لتستبيح جيوب الصناعيين والمواطنين على حد سواء؟
ما يحدث اليوم ليس فقط نتيجة لأزمة إمدادات، بل هو نتيجة مباشرة لتنازلات سياسية واقتصادية فادحة، جعلت مصر رهينة لإمدادات الغاز الإسرائيلي، بعد أن كانت تملك اكتفاءها الذاتي وتصدره.
ليست مجرد قرار اقتصادي
زيادة أسعار الغاز للمصانع ليست مجرد قرار اقتصادي، بل هي امتداد لسلسلة من الكوارث التي صنعها النظام بنفسه، وها هو يحاول الآن أن يُحمّل المواطن أعباءها. وإذا ما أُقرت هذه الزيادات، فإن السلع الأساسية ستشهد موجات تضخم جديدة، والمواطن البسيط سيكون الخاسر الأكبر، في وقت تبدو فيه الحكومة منشغلة بضمان رضا المستثمر الأجنبي، وتجاهل معاناة الشعب.