في النظم الديمقراطية، فضّ التجمعات والاعتصامات—even إذا كانت غير قانونية—يبقى من اختصاص قوات الشرطة، باستخدام أدوات ضبط مدنية مثل خراطيم المياه أو الغاز المسيل للدموع. لكن في حالة اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، اللذين جاءا رفضًا لانقلاب الجيش على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، الشهيد الدكتور محمد مرسي، جرى استدعاء الجيش بأفرعه الثقيلة، في سابقة اعتبرها مراقبون تحولًا جذريًا وخطيرًا في عقيدة القوات المسلحة.
دوافع تدخل الجيش
يمكن تلخيص الأسباب التي دفعت لزج القوات المسلحة في العملية في ثلاثة محاور رئيسية:
1- البعد السياسي: القيادة العسكرية آنذاك، وعلى رأسها وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، اعتبرت الاعتصام تحديًا مباشرًا لقرار 3 يوليو 2013 بإزاحة الرئيس المنتخب، ورأت ضرورة الحسم السريع قبل اتساع رقعة الاحتجاجات أو تحوّلها إلى موجة معارضة وطنية شاملة.
2- البعد الأمني/الاستعراضي: مشاركة الجيش، مع نشر طائرات مروحية لمراقبة وتوجيه القوات على الأرض، كانت رسالة ردع واضحة لبقية المعارضين بأن أي حراك واسع النطاق سيواجه بقوة عسكرية ساحقة.
3- التنسيق الأمني الشامل: عملية الفض لم تكن إجراءً شرطياً تقليديًا، بل خطة عسكرية متكاملة شاركت فيها قوات الصاعقة والمدرعات، وقُسّمت الميادين إلى قطاعات قتال، في تكتيك أشبه بمواجهة التمرد المسلح، رغم أن الاعتصام كان مدنيًا بالكامل.
الأسلحة الثقيلة ضد المدنيين: تحوّل في العقيدة العسكرية
استخدام الطائرات المروحية، وناقلات الجند المدرعة، وقناصة متمركزين على أسطح البنايات، أظهر أن الجيش تعامل مع الاعتصام كهدف عسكري لا كحشد مدني. هذا يمثل انحرافًا عن جوهر العقيدة العسكرية التي يُفترض أن تتركز على حماية الوطن من التهديدات الخارجية، لا قمع المواطنين.
وبحسب القانون الدولي الإنساني ومبادئ الأمم المتحدة بشأن استخدام القوة، فإن إقحام الجيش في مواجهة مدنيين عزّل يعد انتهاكًا جسيمًا، خاصة مع توثيق حالات استهداف للهاربين عبر ما سُمّي بـ"الممرات الآمنة" التي أُعلن عنها ثم فُتحت فيها النيران، كما رصدته منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها "يوم القتل الجماعي".
روايات حقوقية وشهادات موثقة
أفاد حقوقيون بأن عمليات القتل على يد الجيش والشرطة جرت "بصورة منهجية"، من خلال إطلاق النار على الرأس والصدر والبطن، وحتى قنص الجرحى رافعين أيديهم استسلامًا.
ووصفت "هيومن رايتس ووتش" المذبحة بأنها "أسوأ عملية قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث".
كما وثّقت مقاطع مصوّرة جرافات تجرّ جثث القتلى بدم بارد، واعتبر ناشطون حقوقيون ما حدث "رسالة تهديد متعمدة لشعب ثائر".
التأثير السياسي والاجتماعي
أدت المذبحة إلى تقليص مساحة المعارضة بشكل غير مسبوق، تلاها موجة اعتقالات ومحاكمات جماعية، شملت أحكامًا بالإعدام والسجن المؤبد، فضلًا عن النفي والاختفاء القسري. كما دمّرت ما تبقى من التجربة الديمقراطية الوليدة، مع تضييق الخناق على حرية الإعلام والتعبير.
البعد الإقليمي
امتد أثر الحدث خارج الحدود المصرية، إذ اعتبره محللون علامة سوداء ألهمت أنماطًا مشابهة من القمع في دول عربية أخرى مثل سوريا وفلسطين.