بعد 233 يومًا من الإخفاء القسري.. “نيويورك تايمز”: عبدالرحمن القرضاوي نموذج للنفوذ المتزايد للإمارات بالقمع عابر الحدود

- ‎فيتقارير

 

وثّقت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أبعادًا خطيرة لما يُعرف بـ”القمع العابر للحدود”، حيث تمتد يد أنظمة استبدادية لمعاقبة منتقديها حتى خارج حدودها، وذلك في تقرير عن قضية احتجاز الشاعر والناشط المصري عبدالرحمن القرضاوي، نجل الداعية الراحل يوسف القرضاوي، الذي أثار جدلًا واسعًا بعد أن سلّمته السلطات اللبنانية إلى الإمارات في نهاية العام المنصرم.

وأشارت الصحيفة إلى أن الإمارات تقدّم نفسها نموذجًا للتنمية والاستقرار في المنطقة، لكنها في الوقت ذاته تُصنّف ضمن أكثر الدول تشددًا ضد المعارضة. فقد صنّفت جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، واتخذت موقفًا متشددًا ضد الإسلام السياسي.

وأكدت أن تسليم القرضاوي – الذي أمضى 233 يومًا في الإخفاء القسري – إلى أبوظبي سلط الضوء على النفوذ المتزايد للإمارات في المنطقة.

وأوضحت أن السلطات اللبنانية تجاهلت طلبًا مصريًا بتسليمه، واستجابت بسرعة قياسية للطلب الإماراتي. وبحسب محاميه في لبنان محمد صبلوح، فإن “مصر دولة فقيرة لا تفيد لبنان، بينما الإمارات تفيده”، في إشارة إلى أن الحسابات الاقتصادية والسياسية طغت على المبادئ القانونية.

هذه الخطوة عززت المخاوف من أن لبنان، الذي كان يومًا ما ملاذًا للمعارضين العرب، أصبح أكثر هشاشة أمام الضغوط الخارجية.

وقالت الصحيفة إن المراقبين يرون أن قضية القرضاوي تأتي ضمن سياسة أوسع للإمارات تستهدف إسكات الأصوات التي تتعارض مع رؤيتها لمستقبل المنطقة، خصوصًا مع توسع نفوذها الاقتصادي والسياسي في ظل تراجع أدوار تقليدية مثل مصر.

وأصدرت عائلة القرضاوي بيانًا عبر "نيويورك تايمز" جاء فيه: "عبدالرحمن واحد من أشجع الأشخاص الذين نعرفهم، وهو محبوب من بناته الثلاث الصغيرات. كل يوم يمضي من دونه يجلب مزيدًا من الخوف والحزن".

وطالبت العائلة المجتمع الدولي بالضغط على الإمارات من أجل الإفراج عنه، معتبرة أن استمرار احتجازه “انتهاك مخزٍ للقانون الدولي”.

وأشارت الصحيفة إلى أن "تداعيات هذه القضية لا تقف عند حدود شخص واحد، إذ يحذّر محاموه من أنها قد تُرسي سابقة خطيرة في المنطقة. فنجاح الإمارات في معاقبة معارض عبر تسلّمه من دولة أخرى سيجعل الكثيرين من النشطاء العرب يخشون الكلام علنًا ضد الأنظمة الاستبدادية. هذا يعني أن قضية القرضاوي قد تتحول إلى رمز لصراع أكبر حول حرية التعبير وحدود النفوذ الإقليمي".

وفي تقرير بعنوان: "عبدالرحمن القرضاوي: قصة اختفاء معارض عربي في قبضة القمع العابر للحدود"، أوضحت الصحيفة أنه في ديسمبر الماضي، سافر عبدالرحمن القرضاوي إلى سوريا للاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد على يد المتمرّدين. ومن هناك نشر مقطع فيديو دعا فيه إلى سقوط بقية الحكّام المستبدّين في المنطقة، موجّهًا انتقادات حادة لما وصفه بـ”الصهاينة العرب” في الإمارات والسعودية ومصر.

ولم يمضِ وقت طويل حتى اعتُقل في لبنان أثناء عبوره الحدود. ورغم وجود حكم سابق صادر بحقه في مصر عام 2016 بالسجن غيابيًا، لم يُرحّل إلى القاهرة، بل فوجئ كثيرون بترحيله إلى الإمارات، الدولة التي لم تربطه بها أي صلة مباشرة.

غياب الشفافية

اعتُقل القرضاوي رسميًا في 28 ديسمبر، ورُحّل إلى الإمارات في 8 يناير. ومنذ ذلك الحين، وُضع في احتجاز انفرادي طويل الأمد دون محاكمة.

ولم تتمكن عائلته من رؤيته سوى مرتين خلال سبعة أشهر، في زيارتين قصيرتين، بينما حُرمت من أي تواصل منتظم معه. محاميه البريطاني رودني ديكسون وصف الوضع قائلًا: “نحن في فراغ مظلم كامل، حيث اختفى تمامًا”.

وتؤكد الحكومة الإماراتية أن القرضاوي موقوف “احتياطيًا” رهن التحقيق في اتهامات بـ”تقويض الأمن العام”، مشيرة إلى أن ذلك يتم وفقًا للقانون ومعايير حقوق الإنسان. لكنها لم توضّح متى قد يُحال إلى المحاكمة، ولا ما إذا كان احتجازه قابلًا للتمديد إلى أجل غير مسمّى.

ومن المعروف أن القوانين الإماراتية، ولا سيما قانون “مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية”، تُجرّم أي محتوى يُعتبر مسيئًا لسمعة الدولة أو هيبتها، ما يجعل من السهل استهداف المعارضين والنشطاء.

الأمم المتحدة على الخط

بعد الضغوط الإعلامية والحقوقية، تقدّم محامو القرضاوي بشكوى رسمية إلى فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي، مطالبين بالتحقيق في احتجازه.

وسبق أن أصدر خبراء أمميون بيانًا يحذّر لبنان من تسليمه إلى الإمارات، خوفًا من تعرضه للتعذيب أو الاختفاء القسري. ورغم أن الأمم المتحدة لا تملك سلطة إلزامية لإطلاق سراحه، إلا أن صدور حكم أممي باعتبار احتجازه تعسفيًا قد يضع ضغوطًا إضافية على أبوظبي.

خلفية شخصية وسياسية

القرضاوي البالغ من العمر 54 عامًا هو أب لثلاثة أبناء. والده، يوسف القرضاوي، كان أحد أبرز الدعاة الإسلاميين المؤثرين عالميًا، وعاش في قطر حتى وفاته عام 2022.

أما الابن فقد عاش في المنفى منذ نحو عقد، وحصل على الجنسية التركية، حيث بنى قاعدة جماهيرية واسعة عبر الإنترنت، وصل عدد متابعيه إلى أكثر من 800 ألف شخص. مواقفه السياسية شملت دعم حركات المقاومة الفلسطينية وانتقاد الأنظمة الاستبدادية العربية.

وفي أحد مقاطع الفيديو الأخيرة قبل اعتقاله، وصف الإمارات بأنها “دولة المؤامرات والثورة المضادة”.