بعد إعلان “أبو زيد” تركه مصر .. كفاءات تُطادر وبلطجية تُحمى أي جمهورية جديدة يريدها السيسي؟

- ‎فيتقارير

 

مشهد يلخص مفارقات عهد المنقلب عبد الفتاح السيسي، حيث يجد المصريون أنفسهم أمام صورتين متناقضتين: مبدع ومثقف شاب يُطارد ويُسجن ويُجبر على ترك وطنه، مقابل بلطجي يتدخل وزير خارجية النظام بنفسه لإنقاذه من قبضة العدالة في لندن.

في هذا الصدد أعلن صانع المحتوى المصري البارز أحمد أبو زيد، مؤسس قناة "دروس أونلاين"، عودته لاستئناف نشاطه الإعلامي والتعليمي، وذلك بعد أشهر من انقطاعه إثر ملاحقات قضائية انتهت بصدور حكم ببراءته.

 

ونشر أبو زيد رسالة مصورة لمتابعيه عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، أعرب فيها عن امتنانه للجمهور الذي دعمه في محنته، مؤكدا أنه يستعد لتقديم محتوى جديد من بلد آخر، هي الإمارات، بعد أن تعذر عليه الاستمرار في مصر.

 

 

أحمد أبو زيد.. نموذج للكفاءة التي تُحارب

 

أحمد أبو زيد، مؤسس قناة "دروس أونلاين"، أحد أبرز صناع المحتوى التعليمي في العالم العربي، وجد نفسه فجأة في مرمى نيران الأجهزة الأمنية. اعتُقل نهاية العام الماضي، وأُخفي قسريًا عشرة أيام، ليظهر أمام نيابة أمن الدولة متهمًا بحيازة عملات أجنبية والاتجار غير المشروع بها، في قضية شابتها تناقضات فجّة، قبل أن يحصل لاحقًا على حكم بالبراءة.

 

لكن رغم ذلك، اضطر أبو زيد إلى مغادرة بلاده، معلنًا استئناف نشاطه من الإمارات، بعد أن استحال عليه الاستمرار في مصر. هذا الشاب الذي ألهم ملايين المتابعين بمحتوى تعليمي راقٍ وبسيط، لم يجد في وطنه سوى الملاحقة والمنع والتضييق.

 

ميدو.. البلطجة برعاية رسمية

 

على الطرف الآخر، تكشف واقعة  البلطجى الموالي للنظام، المدعو "ميدو"، الوجه الآخر للجمهورية الجديدة. فقد ألقي القبض عليه في لندن متلبسًا بحيازة سلاح أبيض، استخدمه لتهديد معارضين مصريين احتجوا أمام سفارة النظام مطالبين بفتح معبر رفح. بدلاً من ترك القانون يأخذ مجراه، سارعت وزارة الخارجية المصرية – بضغط مباشر من السيسي – للتدخل من أجل الإفراج عنه، ليظهر وكأن الدولة بكامل مؤسساتها باتت درعًا يحمي البلطجية وأدواتها.

 

بلطجية على خطى العرجاني ونخنوخ

 

المفارقة أن هؤلاء البلطجية لم يعودوا مجرد أدوات هامشية، بل أصبحوا "أبطال الجمهورية الجديدة". فكما لمع من قبل أسماء مثل إبراهيم العرجاني وصبري نخنوخ في عهد الدولة الأمنية، يبدو أن "ميدو" ومن على شاكلته هم الواجهة الإعلامية والشعبية التي يراهن عليها النظام لإرهاب المعارضين وإسكات الأصوات الحرة، في الداخل والخارج على السواء.

 

المشهد الأوسع

 

المشهد إذن يتجاوز مجرد قضية فردية. فبينما تُفرغ مصر من كفاءاتها ومبدعيها عبر الاعتقال أو التهجير القسري، يجري تمكين البلطجية ومنحهم غطاء الدولة وحمايتها. إنها رسالة واضحة من نظام السيسي: لا مكان للعلم والمعرفة والتميز، أما العنف والابتذال والانحطاط فهم صناع "المستقبل" في جمهوريته الجديدة.

 

من هو أبو زيد

ويُعد أحمد أبو زيد واحدا من أبرز صانعي المحتوى التعليمي في العالم العربي، إذ أسس قناته الشهيرة "دروس أونلاين" عام 2011، لتصبح منصة رائدة في تبسيط العلوم وتطوير المهارات الذاتية والعملية.

 

وتمكن أبو زيد خلال سنوات قليلة من حصد ملايين المشتركين بفضل أسلوبه السلس والجذاب في شرح تقنيات الحاسب واللغة الإنجليزية والتصميم والتنمية الذاتية. وتحولت قناته إلى مصدر إلهام لآلاف الشباب العربي الباحثين عن فرص للتعلم الذاتي واكتساب مهارات جديدة تلبي احتياجات سوق العمل.

 

ونال أبو زيد تقديرا واسعا باعتباره من أوائل من قدموا تجربة تعليمية عربية متكاملة عبر منصة "يوتيوب"، جمعت بين البساطة والاحترافية، وأسهمت في تعزيز ثقافة التعلم المستمر.

 

الاتجار بالدولار

وكانت المحكمة الاقتصادية في مصر قد قضت في آذار/ مارس الماضي ببراءة أحمد أبو زيد من تهمة حيازة عملات أجنبية والاتجار في النقد الأجنبي خارج نطاق السوق المصرفي، بقيمة وصلت إلى 163 ألف دولار، وذلك في القضية رقم 97 لسنة 2025 كلي طنطا.

 

ووفق ما عرض فريق الدفاع، فإن القضية شابتها تناقضات واضحة، حيث جرى تحرير محضر التحريات بتاريخ 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، في الوقت الذي أكد فيه محرر المحضر أمام النيابة أن الواقعة حدثت في 29 من الشهر ذاته، ما كشف خللا في إجراءات جمع الاستدلالات.

 

وبحسب محاميه، فإن الاتهامات استندت فقط إلى مزاعم جهاز الأمن الوطني دون أدلة ملموسة أو مواجهات حقيقية، إذ زُعم وجود محادثات تثبت هذه التهم، لكن لم يُعرض أي منها على المتهم.

 

اعتقال وإخفاء قسري

 

وتعرض أبو زيد للاعتقال في 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وظل مختفيا قسريا لمدة عشرة أيام داخل أحد مقرات الأمن الوطني، قبل أن يظهر لاحقا أمام نيابة أمن الدولة العليا التي قررت حبسه على ذمة التحقيق.

 

وجاء اعتقاله بعد أيام قليلة من حملة تضامن واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، إثر ترشحه لجائزة المليون دولار المقدمة من "قمة المليار متابع". غير أن اعتقاله أدى إلى استبعاده من القائمة النهائية للمرشحين الخمسة للجائزة، وهو ما أثار موجة استياء واسعة في الأوساط الحقوقية والإعلامية.