استثمار بلا عائد ومدخرات تتآكل ..”خفض الفائدة” دعم وهمي للاقتصاد أم إرضاء الدائنين؟

- ‎فيتقارير

 

للمرة الثالثة خلال العام الجاري، ووسط أزمة مالية خانقة وتراجع ثقة الأسواق، قررت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي بحكومة الانقلاب ، الخميس الماضى ، خفض أسعار الفائدة بواقع 200 نقطة أساس (2%) على الإيداع والإقراض وسعر العملية الرئيسية، لتستقر بين 22% و23%، مع تقليص مماثل لسعر الخصم. خطوة يروج لها النظام على أنها جزء من "دعم النشاط الاقتصادي المحلي" وتعزيز مسار خفض التضخم، لكنها في نظر خبراء اقتصاديين ليست سوى محاولة تجميلية لتسويق إنجازات وهمية، بينما يدفع ثمنها المواطنون والمدخرون.

 

"التضخم ينخفض على الورق".. ولكن بأي ثمن؟

 

البنك المركزي برر القرار بانخفاض معدلات التضخم إلى 13.9% في يوليو مقابل 14.9% في يونيو، مع توقعات بالوصول إلى 7% بحلول 2026. لكن خبراء يشككون في الأرقام الرسمية، معتبرين أن الحكومة تستخدم "انكماش الاستهلاك" كذريعة لإظهار تراجع التضخم، بينما السبب الحقيقي هو انهيار القوة الشرائية للمواطن بعد موجات الغلاء المتتالية، لا تحسن فعلي في الاقتصاد.

 

استثمار بلا عائد ومدخرات تتآكل

 

تخفيض الفائدة يعني عملياً تراجع العائد الحقيقي على مدخرات المصريين، الذين أودعوا أموالهم في البنوك بحثاً عن الأمان في ظل فوضى السوق. الآن يجد هؤلاء أنفسهم أمام معادلة خاسرة: عوائد أقل على شهاداتهم وودائعهم، في مقابل استمرار أسعار السلع في مستويات مرتفعة. وهكذا، يبدو أن الهدف غير المعلن هو تخفيف الضغط عن ميزانية الدولة المثقلة بالديون، عبر دفع المودعين قسراً للبحث عن قنوات استثمار أخرى تُنعش السوق الوهمية للعقار أو البورصة، بدلاً من تحميل الحكومة كلفة الاقتراض الداخلي المرتفع.

 

دعم الاقتصاد أم إرضاء الدائنين؟

 

في السياق ذاته، يرى اقتصاديون أن الخفض المتكرر للفائدة لا يستهدف دعم الاقتصاد الحقيقي بقدر ما يستهدف إرضاء صندوق النقد الدولي والمستثمرين الأجانب، عبر تهيئة مناخ يسمح بإعادة هيكلة الديون وجذب "أموال ساخنة" مؤقتة. لكن هذه الأموال لن تسهم في بناء قاعدة إنتاجية، بل ستظل رهينة التقلبات، تاركة الاقتصاد عرضة لانفجارات جديدة.

 

خبراء: وهم النمو وتحسن البطالة

 

ورغم إعلان البنك المركزي أن معدل النمو ارتفع إلى 5.4% والبطالة تراجعت إلى 6.1%، فإن محللين يشيرون إلى أن هذه الأرقام لا تعكس الواقع، حيث جرى تضخيمها عبر قطاعات هشة مثل السياحة والتحويلات، بينما يعاني الإنتاج الصناعي والزراعي من تراجع حاد بسبب ارتفاع تكاليف التمويل والاعتماد على الاستيراد.

 

مكاسب النظام.. وخسائر المواطنين

 

القرار سيجبر البنوك الحكومية وعلى رأسها الأهلي ومصر على إعادة النظر في أسعار الشهادات الادخارية الثلاثية والودائع، ما يعني تقليص العائدات التي يعتمد عليها ملايين المصريين كدخل أساسي. في المقابل، يروج النظام لهذه الخطوة باعتبارها "إصلاحاً هيكلياً"، بينما الحقيقة أنها مجرد وسيلة لتقليل كلفة الدين المحلي على الحكومة، على حساب الطبقة الوسطى والفقيرة.

 

الخفض المتكرر

خفض الفائدة المتكرر قد يُسوَّق كخطوة لدعم الاقتصاد، لكنه في الواقع لا يعدو كونه "دعمًا وهميًا"، إذ يقلص مكاسب المودعين، ويخفف أعباء الدولة المالية مؤقتاً، دون أي معالجة جذرية لأزمات الإنتاج، أو البطالة، أو اعتماد البلاد على الاستدانة. وهو ما يجعل المواطن البسيط – كالعادة – هو الخاسر الأكبر في لعبة أرقام لا يعيشها إلا على الورق.