تكثف الأحياء حملاتها اليومية فى الشوارع والميادين بزعم تحقيق الانضباط وضبط المخالفين ومصادرة المخالفات سواء فى المقاهى أو الاسواق من كراسى وطاولات وحتى الاجهزة الكهربائية والتكاتك ومعدات البناء..الشعار الذى ترفعه الأحياء الانضباط ومواجهة المخالفات تكشف الوقائع على الأرض عدم صحته وأن الهدف الأساسى جمع غرامات من التجار والباعة الجائلين وأصحاب التكاتك وغيرهم .
أما من يرفض الدفع فيتم احتجاز الأحراز، الحاصة به فى المخازن لأيام طويلة، وتتعرض للتلف والتكسير، دون أى مساءلة لمن قام بتكسيرها أو تعويض أصحابها، ..هذه الأحراز يتم إعادة تسليمها لأصحابها بعد سداد مبالغ مالية تحدد حسب هوى رئيس الحى .
هذا الواقع يعكس فجوة كبيرة بين القانون الذى يُفترض أن يحمى الممتلكات، وبين الواقع اليومى الذى يعيشه المواطن البسيط، ويزيد من شعوره بالظلم، خاصة فى ظل أزمة اقتصادية تضغط على معيشته، البائعون هنا ليسوا مجرد مخالفين، بل ضحايا منظومة محلية فوضوية، حيث تتحول أحلامهم فى العمل والعيش بكرامة إلى مواجهة يومية مع التعسف والإهمال والفساد.
الاحراز
مع تكثيف الحملات اشتكى عدد من المواطنين فى أحياء حدائق القبة، الأميرية، الشرابية، الزيتون، حى شرق مدينة نصر، من طريقة تعامل موظفى الإشغالات معهم أثناء رفع الأحراز أو المضبوطات .
وأكدوا أن الإجراءات تتسم بالتعسف وعدم الشفافية، حيث تنقل المضبوطات إلى مخازن الحى وتظل محتجزة لأكثر من 15 يومًا دون أى تفسير أو متابعة موضحين أن معظم الاحراز بعد استردادها تصل إليهم مكسرة أو تالفة، سواء عربات بيع أو كراسى وترابيزات، أو حتى ثلاجات وفتارين، مما يزيد من حجم الضرر والخسارة بالنسبة لهم.
وطالب المواطنون بوضع آلية واضحة وصارمة تحمى حقوقهم، وتمنع الإهمال أو التلف المتعمد للمضبوطات، مؤكدين أن استمرار هذه الممارسات يزيد من الاحتقان الاجتماعى داخل الأحياء.
إتاوات شهرية
فى هذا السياق كشف عدد من البائعين عن وجود اتفاقات سرية بين بعض موظفى الإشغالات، والمخالفين، حيث يسمح برد الأحراز قبل تسجيلها رسميًا مقابل دفع «إتاوات» نقدية شهرية، وهو ما يفتح الباب واسعًا للفساد ويضع البائع فى موقف لا يحسد عليه بين القانون والرشوة .
وقالوا إن هؤلاء الموظفين يستغلون حاجة المواطن لضمان لقمة عيشه، ويحولون إجراءات ضبط المخالفات إلى وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية، متجاهلين أى مسئولية أو التزام تجاه حقوق السكان وممتلكاتهم.
رئيس الحى
واعترف مسئول بمجمع المنطقة الشمالية لمحافظة القاهرة أن ملف أسعار الأحراز الخاصة بمخالفات الإشغالات يفتقد لأى لائحة أو قانون موحد، مشيراً إلى أن رئيس الحى وحده هو من يحدد قيمة الأحراز وفق تقديره الشخصى .
وقال المسئول الذى طلب عدم ذكر اسمه: اللائحة الوحيدة الصادرة من المحافظة تتعلق بغرامة «التوك توك» المخالف وتبلغ 1500 جنيه، بينما تختلف باقى المحاضر مثل إشغال الطريق أو تالف الرصف من حى لآخر، لافتا إلى أن تكلفة الرصف تتفاوت حسب طبيعة الشارع ونوع الخامة، فأسعار البلاط تختلف عن الأسفلت، وتحسب وفقاً لأسعار المناقصات الخاصة بتطوير الشوارع فى كل حى .
وأضاف: الفوارق بين الشوارع والمناطق تجعل قيمة الحرز فى شارع ما قد تصل إلى 4000 جنيه لعشرة أمتار، بينما تختلف تماماً فى حى آخر بسبب اختلاف أسعار المقاولات والمناقصات، مؤكدا أن تقدير المبلغ فى النهاية يظل مرهوناً بـ«رحمة» رئيس الحي، وتوقيعه هو الكلمة الحاسمة فى غلق الملف .
وطالب المسئول بضرورة تدخل المحافظات لوضع لائحة موحدة تحدد أسعار الأحراز والغرامات بشكل واضح وملزم، بما يضمن المساواة بين الأحياء ويمنع التلاعب أو التضارب فى تقدير قيمة المخالفات.
اختلاف التقديرات
فى المقابل قال إسلام سيد- رئيس حى الزيتون إن تقدير قيمة رسوم إعادة الأحراز إلى أصحابها لا تحكمه نصوص قانونية صريحة، وإنما يترك لتقدير رئيس الحى وفق معايير يضعها بنفسه.
وقال سيد فى تصريحات صحفية: تحديد قيمة رسوم إعادة الأحراز يتم على أساس نسبى مرتبط بعددها وطبيعة المخالفة مشيراً إلى أنه يقدر قيمة تلك الرسوم بنحو 10% من قيمة الحرز، وهى النسبة التى يراها عادلة ومنطقية، بما يحقق التوازن بين الردع وعدم المغالاة وفق تعبيره .
واعترف بأن غياب نص قانونى محدد يفتح الباب أمام اختلاف التقديرات من حى لآخر، حيث يلجأ بعض رؤساء الأحياء إلى وضع مبالغ مرتفعة، بحجة ردع المخالف ومنعه من تكرار تعديه على الشارع أو الإضرار بالمظهر العام. مشيرا الى ان حصيلة هذه المبالغ تذهب لدعم الخزانة العامة لدولة العسكر بحسب زعمه.
وأشار سيد إلى أن تقدير تالف الرصف الناتج عن إشغالات المخالفين يخضع كذلك لتقدير ميدانى مرتبط بأهمية المنطقة وقوة الشارع وكثافته المرورية، موضحاً أن بعض الشوارع ذات الطبيعة الحيوية أو المحاور الرئيسية يتم التعامل معها بصرامة أكبر، باعتبار أن أى إضرار بها يؤثر مباشرة على حركة المرور وخدمات المواطنين.
فلسفة الردع المالى
وقال: دور مدير الإشغالات يقتصر فقط على تحرير الضبطية وتسليمها لرئيس الحى، ولا يملك أى صلاحية فى تحديد قيمة الحرز، حيث تؤول هذه السلطة مباشرة لرئيس الحي، بالتنسيق مع رئيس الفرع وضابط شرطة المرافق، زاعما أن هذا التوزيع للاختصاصات يضمن الشفافية ويبقى المسئولية فى يد جهة محددة، مما يسهل عملية المراجعة والمساءلة عند الحاجة.
وزعم سيد أن فلسفة الردع المالى تنبع من قناعة بأن المخالف إذا لم يتعرض لخسارة مالية مباشرة قد يكرر مخالفته بلا تردد، ومن ثم فإن قيمة الحرز ليست مجرد إجراء عقابى بل وسيلة لإحداث توازن يحد من الاستهانة بالقوانين، مشيراً إلى أن بعض الأحياء تتجه لرفع قيمة الأحراز بشكل أكبر ما يفرض مزيداً من الانضباط، بينما تفضل أحياء أخرى الاكتفاء بنسب أقل، وهو ما يعكس اختلافاً فى فلسفة التعامل مع المخالفات من مكان لآخر وفق تعبيره .