مصروفات الجامعات الأهلية والخاصة نار…التعليم للأغنياء فقط فى زمن الانقلاب

- ‎فيتقارير

 

 

مع إعلان الجامعات عن مصروفاتها للعام الجديد، تكشفت حقيقة مرة.. التعليم الجيد تكلفته باهظة، ففى الجامعات الخاصة، تجاوزت مصاريف كليات الطب البشرى حاجز الـ 200 ألف جنيه ولامست فى بعضها الـ 300 ألف جنيه، بينما تراوحت كليات طب الأسنان والصيدلة بين 150 و280 ألف جنيه، ولم تكن الكليات الهندسية والتكنولوجية بمنأى عن هذا الارتفاع، حيث تراوحت مصروفاتها بين 100 و220 ألف جنيه.

أما الجامعات الأهلية، التى أنشأتها عصابة العسكر كبديل تزعم أنه غير هادف للربح فقد شهدت هى الأخرى زيادات ملحوظة، وتراوحت مصاريف كليات الطب فيها بين 130 و155 ألف جنيه، والهندسة بين 70 و90 ألف جنيه، وهو ما يمثل عبئًا كبيرًا على كاهل الطبقة المتوسطة التى تعد الشريحة الأكبر من عملائها.

هذه المصروفات تؤكد أن الجامعات الخاصة والأهلية، أصبحت ملاذًا آمنًا لكل من يملك المال، بغض النظر عن درجته الأكاديمية، مما يثير تساؤلات حول مفهوم العدالة التعليمية والمساواة فى الفرص.

وهكذا أصبح الطالب المتفوق من أسرة محدودة الدخل هو الضحية الأكبر فى هذا النظام، ففى الوقت الذى قد يحصل فيه على مجموع مرتفع يفوق زملائه الذين يلتحقون بكليات الطب فى الجامعات الخاصة، يجد نفسه عاجزًا عن تحقيق حلمه،

 

أرقام فلكية

 

حول هذه المصروفات المبالغ فيها قال المهندس «أحمد. م»، ولى أمر طالبة تستعد للالتحاق بكلية الهندسة بإحدى الجامعات الأهلية : كنا نظن أن الجامعة الأهلية هى الحل الوسط، تعليم جيد بتكلفة أقل من الخاص .

وأكد أن أولياء الأمور وجدوا أنفسهم فى مواجهة أرقام فلكية تهدد مستقبل أبنائهم التعليمى.

 

وقالت «سارة. ع»، والدة طالب بكلية إدارة الأعمال : الجامعات تبرر الزيادة بارتفاع تكاليف التشغيل وتحسين جودة الخدمة التعليمية،

وأضافت بمرارة: هذه المبررات فضفاضة، لا نرى شفافية فى كيفية تحديد هذه الأرقام، ولا نشعر بوجود أى رقابة حكومية تضبط هذا الانفلات، مؤكدة أن الأمر تحول إلى سوق مفتوح يخضع لمنطق العرض والطلب والمنافسة على استقطاب الطلاب بأى ثمن .

 

مشروع استثماري

 

من جانبه قال خبير أسواق المال، أالدكتور حسام الغايش إن الاستراتيجية الأساسية للجامعات الخاصة تقوم على فكرة كونها مشروعًا استثماريًا، يهدف فى المقام الأول إلى استرداد رأس المال الذى تم إنفاقه على تأسيسها، موضحا أن التكاليف المرتفعة لهذه الجامعات، من مبانٍ فاخرة وتجهيزات متطورة ومعامل حديثة، تدفعها إلى رفع رسومها الدراسية لتقليص فترة استرداد رأس المال.

وأشار «الغايش» فى تصريحات صحفية إلى أن الجامعات الخاصة تسعى جاهدة لتقليل تكاليفها التشغيلية، وفى الوقت نفسه، تحاول استقطاب كفاءات عالية من أعضاء هيئة التدريس لتقديم مستوى تعليمى مميز. مشيرا إلى أن هذا التوازن بين تقليل التكاليف وتقديم جودة عالية يؤثر بشكل كبير على مصاريفها، حيث تحاول الجامعات أن تحقق أعلى ربح ممكن، خاصة فى سنواتها الأولى.

وأكد أن زيادة الطلب على الجامعات الخاصة يعد سببًا رئيسيًا فى ارتفاع أسعارها، لأنها تقبل الطلاب بمجاميع أقل من تلك المطلوبة فى التنسيق الحكومى، مما يزيد من الإقبال عليها. موضحا أن المنافسة بين هذه الجامعات تدفعها أيضًا لرفع أسعارها، حيث تحاول كل جامعة أن تتميز عن غيرها لتقديم أفضل الخدمات التعليمية لجذب شريحة أكبر من الطلاب.

وشدد «الغايش» على أن حل هذه المشكلة يكمن فى تغيير الثقافة المجتمعية، مؤكدًا أن كليات القمة مثل الطب والهندسة ليست دائمًا الأكثر طلبًا فى سوق العمل، وبالتالى يجب توعية الأسر بأهمية التفكير فى تخصصات أخرى قد تكون أقل تكلفة وأكثر ملاءمة لمستقبل أبنائهم.

وتوقع أن يؤدى هذا التوجه إلى تقليل الضغط على كليات القمة فى الجامعات الخاصة، وبالتالى تبدأ أسعارها فى الانخفاض تدريجيًا، مشيرا إلى حلول أخرى مثل الشراكة بين القطاعين العام والخاص فى مجال التعليم، وهو ما قد يساهم فى توفير فرص تعليمية ذات جودة عالية بتكلفة أقل. 

 

تسليع التعليم

 

وحذر «الغايش»  من ثلاثة تحديات اقتصادية رئيسية تواجه التعليم الخاص أولها ارتفاع التكاليف الباهظة، حيث تتراوح مصروفات المدارس الخاصة والدولية بين 20 ألفًا وأكثر من 250 ألف جنيه سنويًا، وهو ما يضع ضغطًا هائلًا على ميزانيات الأسر المتوسطة، ثانيًا، فجوة الجودة، فعلى الرغم من وجود جامعات خاصة متميزة، إلا أن هناك تخوفًا من انتشار مؤسسات تعليمية بكفاءة أقل، مما يقلل من قيمة الشهادة الجامعية فى سوق العمل، وأخيرًا، تفاوت الفرص، حيث أصبح الوصول إلى التعليم الخاص الجيد يقتصر بشكل كبير على الطبقات الغنية، مما يعزز من «تسليع التعليم» ويضرب فكرة تكافؤ الفرص فى الصميم.

وقال : التعليم الخاص جزء حيوى من المنظومة، لكنه يتطلب تدخلًا استراتيجيًا من دولة العسكر لضمان عدم تحوله إلى رفاهية، مشددا على أن تعزيز الشراكات الفعالة، والإشراف على الجودة، وتمكين البدائل الاقتصادية كالتعليم الفنى والرقمى، هى خطوات لا غنى عنها لضمان أن يظل التعليم حقًا مكفولًا للجميع وليس سلعة للأغنياء فقط.

 

المصروفات الدراسية

 

وقالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس : الجامعات الخاصة والأهلية ملأت فراغًا حقيقيًا فى سوق التعليم، وأتاحت لآلاف الطلاب فرصًا لم تكن متاحة فى الجامعات الحكومية، كما أنها قدمت تخصصات عصرية تواكب متطلبات سوق العمل، مثل الذكاء الاصطناعى، وعلوم البيانات، التى غالبًا ما تتأخر الجامعات التقليدية فى طرحها.

وأضافت « سامية خضر» فى تصريحات صحفية : هذه الخدمات تأتى مقابل ثمن باهظ، فربما تتجاوز المصروفات الدراسية فى بعض الكليات مئات الآلاف من الجنيهات سنويًا، مما يجعلها حكرًا على طبقة اجتماعية محددة، وقد تتحول بعض هذه المؤسسات إلى استثمارات ضخمة، تستفيد منها دولة العسكر عن طريق الضرائب.

وتابعت أن التعليم ليس سلعة كما يروج له، وأن الجامعات الأهلية تظهر كبديل نظرى يجمع بين جودة الجامعات الخاصة وروح الجامعات الحكومية، لكن رسومها الدراسية قد تتماثل مع بعض الجامعات الخاصة، كما أنها تظل مرتفعة جدًا بالنسبة للغالبية العظمى من الطلاب موضحة أن هذا التباين يثير تساؤلات حول قدرتها على تحقيق هدفها المعلن فى تحقيق العدالة الاجتماعية فى التعليم، وهل هى حقًا جسر بين التعليم العام والخاص، أم مجرد امتداد لنظام التعليم بمقابل مادي؟

وأشارت « سامية خضر» ، إلى أن «اللى معاه قرش زيادة حقق أمنياته»، رغم أن ذلك يسبب الإحباط لكثير من الطلاب المتفوقين من الطبقة البسيطة .

وأوضحت أن الجامعات الأهلية والخاصة، أمام تحدٍ مزدوج، فعليها أن توازن بين رسالتها الاجتماعية فى توفير تعليم ميسر، وبين حاجتها إلى تحقيق الاستدامة المالية دون الاعتماد على دولة العسكر، لافتة إلى أن الشفافية فى أسعار الرسوم الدراسية وأوجه إنفاقها يجب أن تكون شرطًا أساسيًا لضمان أن هذه المؤسسات لا تحيد عن مسارها الأصلى.