في بيان رسمي، زعمت وزارة الخارجية السعودية برعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المعروف في المملكة بالدب الداشر أن مستقبل السودان يجب أن يُحدده الشعب السوداني دون تدخلات خارجية، مشددة على رفض أي دور للجماعات المتطرفة العنيفة المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين في رسم ملامح المرحلة المقبلة.
وادعت الخارجية السعودية أن "هذه الجماعات" ساهمت في تأجيج العنف وزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا يمكن أن تكون جزءاً من الحل السياسي في السودان.
وقال البيان: إن "الرياض ستواصل دعمها لكافة المبادرات الرامية إلى إنهاء الحرب الدائرة، وإطلاق عملية سياسية شاملة يقودها السودانيون أنفسهم، بعيداً عن الأجندات الأيديولوجية المتطرفة"، في إشارة إلى "الإخوان المسلمين".
وأضاف أن المملكة ترى "أن الحل يجب أن يقوم على احترام وحدة السودان وسيادته، وحماية مؤسساته الوطنية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين، بما يفتح الطريق أمام انتقال سياسي آمن ومستدام".
وتزامن بيان الرياض مع بيان مشترك من الرباعية الدولية قال: إن "مستقبل السودان يجب أن يُحدد من قبل شعبه عبر عملية انتقالية شاملة وشفافة، بعيداً عن هيمنة الأطراف المتحاربة، مشدداً على ضرورة إبعاد أي تدخل خارجي من جماعات متطرفة، ولفت إلى وجود ارتباط موثق بين بعض هذه الجماعات وجماعة “الإخوان”، التي وصفها البيان بأنها مصدر لزعزعة الاستقرار، في إشارة إلى رفض الرباعية لأي دور سياسي أو ميداني لتلك الجهات في مستقبل السودان".
وفي هذا الميل السعودي ضد الإخوان المسلمين (بخلاف موقفهم المتأصل منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس الشرعي الشهيد د. محمد مرسي في مصر) إلا أن الأول لهم في السودان منذ تدخلهم كوسيط من الرباعية الدولية التي تضم مصر، الإمارات، الولايات المتحدة، والسعودية، في محاولة "الحوار" بين أطراف الصراع؛ الجيش وأنصاره ومليشيا الدعم السريع وأنصارها من طرف ثان.
إلا أن المراقبين أكدوا أن الموقف السعودي تحول إلى هذه الدرجة (بخلاف موقف القاهرة والذي كان متوقعا لصلات غير شريفة بين بن زايد والسيسي) بعد أن أعلنت الخزانة الأميركية عقوبات على "كتيبة البراء" التابعة لتنظيم الإخوان في السودان والمنضوية ضمن قوى محاربة المليشيا المدعومة إماراتيا، (والتي اعتقل أحد أبرز قادتها المصباح أخيرا في القاهرة وأطلق سراحه بعد أسبوعين من استجوابه بمقار مخابراتية في مصر) وعلى وزير المالية بحكومة بورتسودان جبريل إبراهيم بادعاء مشاركتهم المباشرة في إشعال الحرب من أبريل 2023 والزعم بعلاقاتهم المريبة مع إيران.
وفي سياق مكشوف من الرياض تماهي موقفها في البيان مع موقف أبوظبي التي تدعي الادعاءات نفسها على الإخوان، ويشهد السودانيون كم الجرائم التي ارتكبتها الإمارات في قتل أبناء النيل من جنوبه إلى شماله، حيث المصب بدعمها مليشيا محمد حمدان دقلو تاجر الأبل والذهب وخطواته السياسية المقدرة في قصور شيطان العرب على شاطئ الخليج العربي.
وكانت السعودية وعلى خلفية التورات بين الرياض وأبو ظبي سيما في التعامل مع حرب السودان، ترى ضرورة الحفاظ على السودان ومؤسساته الوطنية وعلى رأسها القوات المسلحة السودانية واعتبارها الأساس في أي تحرك في ملف السودان، هذه الرؤية السعودية لا تتوافق مع تقديرات بن زايد ورجاله، الذين ينظرون إلى ضرورة تكسير القوات المسلحة كشرط أساسي للسيطرة على الدولة، ويشاطره في هذا الهدف مجموعة حمدوك وبعض دول الاتحاد الأوروبي، هذا الخلاف بين قيادتي الرياض وأبو ظبي، أسهم بشكل مباشر في تراجع نفوذ حمدوك كثيراً داخل المملكة، وأصبح يُنظر إليه فتى ابن زايد وحسب، مما حدا بالرجل أن يقضي أغلب أوقاته في أبو ظبي وليس الرياض كما كان في السابق.
من جحر ضب
وبالتزامن مع بيان وزارة خارجية السعودية المشبوه ضد الإخوان الذين انضموا إلى المقاومة الشعبية وكانوا في الطليعة بإمرة الجيش السوداني وقائده عبدالفتاح البرهان، خرج من جحره عبد الله حمدوك رئيس حكومة "الثورة" وباعتباره رئيس ما يسمى "تحالف القوى الديمقراطية المدنية" ليعلق على بيان مشترك ضم الرياض والقاهرة وأبوظبي وواشنطن، فأثنى في تصريحات لصحيفة محلية على "بيان الرباعية" واعتبره "متطابقاً مع رؤيتنا لإنهاء الحرب بحل سياسي والتمسك بوحدة السودان وإبعاد الإخوان المسلمين".
ودعا "حمدوك" "الرباعية" لإعلان الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني في السودان كجماعة إرهابية، زاعما أن "وضع الإخوان المسلمين أصبح مماثلاً لتنظيم القاعدة وداعش".
وادعى حمدوك أن "ما تظهره وسائل التواصل الاجتماعي بالسودان لا يعبر عن غالبية شعب السودان والكثيرون يقبعون في سجون الإخوان المسلمين بسبب الدعوة لوقف الحرب ".
وإلى جوار حمدوك انضم بدور وظيفي، أنور قرقاش، مستشار دبلوماسي لمحمد بن زايد في أبوظبي، الذي قال في تدوينة نشرها عبر “X”: إن "البيان يضع تصوراً متكاملاً للحل يبدأ بهدنة إنسانية تمهّد لعملية انتقال مدني للسلطة، ويشدد على أن الحل العسكري غير قابل للتطبيق، في ظل التزام إقليمي ودولي متجدد بدعم السلام ووحدة السودان، وأضاف أن البيان يعكس سردية واضحة وتوجهاً إيجابياً نحو تسوية الأزمة".
وتولى عبد الله حمدوك، رئاسة الوزراء في مرحلة ما بعد الإطاحة بالبشير واستطاع تأسيس حكومة تضم عناصر أجنبية وتشكيل تحالفات مع قوى دولية وإقليمية، ما جعله قادراً على اختراق مؤسسات الدولة السودانية بعمق، هذه التحركات – وفقاً لتحليلات الخبير – لم تكن عشوائية، بل جزء من استراتيجية محكمة هدفت إلى إضعاف الدولة وتهيئة الأرضية لتدخل خارجي أكثر تأثيراً.
وتعليقا على طلب حمدوك من الرباعي المتصهين تصنيف "الإخوان" في السودان جماعة "إرهابية"، قال المحلل منير شريف @Moneer_Shareef "هذه هي الفزاعة الجاهزة التي تستعملها بعض النخب؛ كلما أرادت استجلاب التدخل الخارجي رفعت لافتة “الإخوان”.
في الواقع، الإخوان المسلمون ليسوا طرف الحرب في السودان، بل هم شماعة لتبرير الخيانة والخسة وفتح الأبواب لأجندات خارجية.
وأوضح أن "الخطر الحقيقي ليس “الإخوان” وإنما المليشيا المسلحة المدعومة من الخارج، والتي تهدد وحدة السودان وسيادته".
واعتبر أن "استدعاء الرباعية لتصنيف جماعة سياسية وهمية في المشهد الحالي لا يخدم السودان، بل يخدم مشروع تدويل الأزمة.".
https://x.com/Moneer_Shareef/status/1967183170698183025
وأصدر كل من أحمد هارون وعلي كرتي بيانات هاجما فيها الرباعية.
يشار إلى أن وزراء الرباعية دعوا إلى “هدنة إنسانية، لثلاثة أشهر بصفة أولية، لتمكين الدخول السريع للمساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء السودان، بما يؤدي بشكل فوري إلى وقف دائم لإطلاق النار، ثم يتم إطلاق عملية انتقالية شاملة تتسم بالشفافية وإبرامها في غضون 9 أشهر لتلبية تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مستقلة بسلاسة بقيادة مدنية تتمتع بشرعية ومسؤولية واسعة النطاق“.
واتفق الوزراء على متابعة تنفيذ هذه الجداول الزمنية عن كثب، وأكدوا استعدادهم لبذل مساعيهم الحميدة، والقيام بكافة الجهود اللازمة لضمان التنفيذ الكامل من قبل الأطراف، بما في ذلك عقد اجتماعات اخرى لبحث الخطوات المقبلة.
وحدد وزراء خارجية السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة مبادئ لإنهاء الصراع في السودان تضمنت:
أولاً: سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه ضرورية للسلام والاستقرار.
ثانياً: لا يوجد حل عسكري مجدٍ للصراع، واستمرار الوضع الراهن يُسبب معاناةً غير مقبولة ومخاطر على السلم والأمن.
ثالثاً: يجب على جميع أطراف النزاع تسهيل الوصول السريع والآمن للمساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع أنحاء السودان، ومن خلال جميع الطرق اللازمة، وحماية المدنيين وفقاً للقانون الدولي الإنساني، والتزاماتهم بموجب إعلان جدة، والامتناع عن الهجمات الجوية والبرية العشوائية على البنية التحتية المدنية.
رابعاً: إن مستقبل حكم السودان يقرره الشعب السوداني من خلال عملية انتقالية شاملة تتسم بالشفافية، ولا يخضع لسيطرة أي طرف متحارب.
خامساً: إن الدعم العسكري الخارجي لأطراف النزاع في السودان يؤدي إلى زيادة حدة النزاع وإطالة أمده والإسهام في عدم الاستقرار الإقليمي، وبناءً على ذلك، فإن إنهاء الدعم العسكري الخارجي هو ضرورة لإنهاء النزاع.
وفي رضمان الماضي، كان لكتيبة البراء بن مالك في الجيش السوداني دور في دخول الجيش إلى القصر الجمهوري بعد تحريره من متمردي مليشيا الدعم السريع المدعوم إماراتيا ولحظة فارقة في السودان، بعد أن ظل الجيش يحاصر محيط القصر لأسابيع، وكان يتمنى أن يدخله يوم ١٧ رمضان في ذكرى انتصار غزوة بدر، لكنه تأخر ٤ أيام لشدة وطيس المعارك.
ميليشيات الدعم السريع احتلت القصر الرئاسي منذ 15 أبريل 2023 ضمن محاولتها الانقلابية الفاشلة، كما تمكن الجيش من تحرير العديد من المنشآت السيادية الأخرى مثل البنك المركزي ومقر المخابرات العامة، وقصر الصداقة ومباني حكومية وخاصة أخرى.