دراسة : 85% من المصريين قلّصوا استهلاك البروتين الحيواني والحد الأدنى للأجور لا يغطي الاحتياجات الأساسية

- ‎فيتقارير

 

 

كشفت دراسة حديثة بعنوان الأجر الذي لا يكفي: العمال بين التفاوت في الدخل وتكاليف البقاء، عن صورة قاتمة لواقع المعيشة في مصر، مؤكدة أن الزيادات الأخيرة في الأجور لم تعد قادرة على ملاحقة تكاليف الحياة اليومية، وأن ملايين الأسر المصرية تكافح من أجل البقاء وسط موجات تضخم متلاحقة

وأشارت الدراسة التى أعدها الباحث العمالى حسن البربري،إلى أن الحد الأدنى للأجور الذي ارتفع في يوليو 2025 ليصل إلى 7 آلاف جنيه شهريًا لا يغطي الحد الأدنى للاحتياجات الأساسية للأسرة المصرية.. فبينما يقدّر خط الفقر القومي بنحو 5900 جنيه لأسرة مكوّنة من أربعة أفراد، تشير التقديرات المستقلة إلى أن خط الفقر الفعلي يتراوح بين 9  آلاف و 9500 جنيه، وهو ما يعني أن الأجر الرسمي أقل بكثير من تكاليف المعيشة الحقيقية

 

اللحوم والدواجن

 

وأكدت أن أكثر من 85% من الأسر المصرية قلّصت استهلاك البروتين الحيواني مثل اللحوم والدواجن، فيما اضطر 70% لتقليص الإنفاق على التعليم سواء عبر الاستغناء عن الدروس الخصوصية أو نقل الأبناء إلى مدارس أقل كلفة، كما اضطر نحو خمسين في المائة من الأسر إلى تأجيل أو إلغاء فحوصات طبية ضرورية بسبب ارتفاع التكاليف، وهو ما يوضح أن تراجع الدخل لم يعد يؤثر فقط على مستويات الرفاه، بل مسّ بشكل مباشر عناصر أساسية في حياة المصريين مثل الغذاء والصحة والتعليم

وأوضحت الدراسة أنه لمواجهة هذا العجز الشهري، تلجأ الأسر العاملة إلى حلول مرهقة، منها عمل إضافي أو أكثر لأكثر من نصف العمال، والاقتراض من البنوك والجمعيات أو من تطبيقات التمويل الصغير، وكذلك الاستدانة من المحلات والأقارب، فضلًا عن شراء سلع أقل جودة حتى لو أثّرت سلبًا على الصحة

وشددت على أن هذه الحلول لا تعالج جوهر الأزمة بل تزيد من الضغوط على الأسر، إذ تتحول الديون المتراكمة إلى عبء دائم، بينما يضيف العمل الإضافي ساعات طويلة ترهق العمال نفسيًا وجسديًا

 

النسيج الاجتماعي

 

وكشفت الدراسة أن الأزمة تجاوزت حدود الاقتصاد لتضرب النسيج الاجتماعي نفسه، إذ أبلغت 40% من الأسر عن توتر في العلاقات الأسرية بسبب الضغوط المادية، فيما أشارت بعض الحالات إلى أن الخلافات الزوجية وصلت إلى حد الانفصال أو الطلاق. كما يدفع تراجع الدخل بعض الأبناء إلى ترك التعليم مبكرًا والاتجاه إلى سوق العمل غير الرسمي، وهو ما يهدد مستقبل جيل كامل ويكرس حلقة مفرغة من الفقر

ولفتت إلى أن الأرقام تظهر أن الفقر يتركز في ريف الوجه القبلي حيث تتجاوز نسبته 55% إلى 60% من السكان، مقارنة بـ 15% إلى 20% فقط في الحضر.. ويعكس هذا التفاوت هشاشة أوضاع العمال في الريف بسبب ضعف الأجور وغياب فرص العمل المنظمة والحماية الاجتماعية

 

قوة العمل

 

وقالت الدراسة: وفقًا لتقديرات البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية، فإن نحو 50% إلى 55%  من قوة العمل المصرية تعمل في القطاع غير الرسمي، ما يعني أنها خارج المظلة التأمينية والصحية بالكامل، وهو ما يجعلها الأكثر عرضة للفقر والهشاشة. 

وانتقدت النظام الضريبي القائم، مشيرة إلى أن الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة تستنزف دخول محدودي الدخل، بينما تظل أرباح الشركات الكبرى وتعاملات البورصة شبه معفاة، إذ لا تتجاوز مساهمتها 0.1 في المائة من إجمالي الضرائب، في مقابل أكثر من 154 مليار جنيه تُحصَّل من أجور العمال والموظفين

وأكد معد الدراسة أن هذه السياسة الضريبية تكشف عن خلل واضح في العدالة، حيث يدفع من يكسب أقل النسبة الأكبر، بينما يعفى أصحاب الدخول المرتفعة

 

خط الفقر

 

واقترحت الدراسة مجموعة من السياسات لإنقاذ الأسر العاملة من فخ الفقر، منها ربط الحد الأدنى للأجور دوريًا بخط الفقر ومعدلات التضخم، وتطبيق ضرائب تصاعدية عادلة على الدخول المرتفعة والأرباح الرأسمالية، إلى جانب توسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل العمالة غير الرسمية، وتمكين النقابات العمالية من التفاوض الجماعي ومراقبة تطبيق الحد الأدنى للأجور، فضلًا عن إطلاق برامج دعم نفسي واجتماعي لحماية الأسر من التفكك بسبب الضغوط الاقتصادية

وحذرت من أن الأزمة في مصر لم تعد أزمة أرقام أو نسب فقر في تقارير رسمية، بل أزمة حياة يومية تعيشها ملايين الأسر العاملة موضحة أن الأجر الذي لا يكفي لا يعني فقط ضغوطًا مالية، بل يترجم إلى أمن غذائي مهدد، وصحة مؤجلة، وتعليم ناقص، وأسرة متصدعة.

وشددت الدراسة على أن أي مشروع تنموي حقيقي يبدأ من أجر عادل، وضرائب عادلة، وحماية اجتماعية شاملة