السيسي يرد قانون الإجراءات الجنائية: مناورة سياسية تحت الضغوط الدولية والداخلية

- ‎فيتقارير

 

بعد خمسة أشهر من موافقة برلمان الانقلاب على قانون الإجراءات الجنائية المثير للجدل، اضطرالمنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي إلى إعادته لمجلس النواب، في خطوة تعكس حجم الضغوط التي واجهها النظام سواء على الصعيد الدولي أو من داخل مصر، وسط اعتراضات واسعة من النقابات المهنية والحقوقيين، واتهامات بأن القانون يكرس لانتهاك الحقوق والحريات بدلًا من ضمان العدالة.

 

انتقادات دولية متصاعدة

 

القانون، الذي منح النيابة العامة صلاحيات واسعة في الحبس الاحتياطي والحجز لدى الشرطة، وأقر المحاكمات عن بعد دون ضمانات كافية، أثار انتقادات أممية حادة. فقد أعربت لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة في مايو الماضي عن قلقها من إصرار النظام المصري على تمرير تشريع يقنن محاكمات استثنائية ويفتح الباب لمزيد من التعسف ضد المتهمين، مشيرة إلى استمرار صلاحيات رئيس الجمهورية الاستثنائية رغم وقف حالة الطوارئ شكليًا.

كما وجّه سبعة من المقررين الخواص في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة رسالة مباشرة للقاهرة، حذروا فيها من أن القانون الجديد سيطيح بحقوق المواطنين كافة، سواء كانوا متهمين أو ضحايا أو حتى شهودًا ومدافعين عن حقوق الإنسان.

 

معارضة داخلية تم تجاهلها

 

لم يكن الرفض مقتصرًا على الخارج، بل واجه القانون رفضًا واسعًا من نقابتي المحامين والصحفيين، إضافة إلى مراكز حقوقية بارزة كالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية والمركز العربي لاستقلال القضاء. النقابات والحقوقيون حذروا من أن النصوص المقترحة تهدد منظومة العدالة وتفتح الباب للتعسف الأمني، كما اعترضوا على إدخال إجراءات مثل الأسورة الإلكترونية، الغرامات الجديدة، والتحفظ على الأموال بقرارات تقديرية.

ورغم هذه المعارضة، أصر برلمان الانقلاب في أبريل الماضي على تمرير القانون متجاهلًا التحفظات، في انعكاس لوظيفته كأداة لتمرير قرارات السلطة لا لممارسة رقابة حقيقية.

 

مناورة السيسي: إعادة لامتصاص الغضب لا لحماية الحقوق

 

ورغم تبريرات الرئاسة بأن الإعادة جاءت لـ"تحقيق المزيد من الضمانات" و"إزالة الغموض"، إلا أن القراءة السياسية تكشف أن السيسي لم يعد أمامه إلا التراجع التكتيكي، بعد أن تكبد النظام تكلفة سياسية وحقوقية عالية داخليًا وخارجيًا. فالانتقادات الأممية وتنامي الأصوات الحقوقية في الداخل، إضافة إلى خشية النظام من إثارة ملفات التعذيب والمحاكمات الاستثنائية في المحافل الدولية، دفعت السيسي لإظهار نفسه كمن يستجيب لـ"المناشدات"، بينما الهدف الحقيقي هو كسب الوقت وإعادة ترتيب المشهد بما يضمن استمرار السيطرة الأمنية دون فضائح مكشوفة.

 

استغلال سياسي ورسائل للخارج

 

إعادة القانون لا تعني تغيير النهج السلطوي، بل على العكس، هي محاولة من السيسي لتقديم أوراق اعتماد جديدة للغرب والمؤسسات الدولية، خاصة في ظل حاجته المستمرة للدعم المالي والسياسي. فهو يريد أن يظهر بمظهر الحاكم "المستجيب" لانتقادات المجتمع الدولي، بينما يحتفظ جوهر القانون بذات الصلاحيات القمعية التي توسع يد الأجهزة الأمنية.

 

ليس انتصارًا للمعارضة الداخلية

رد السيسي لقانون الإجراءات الجنائية ليس انتصارًا للمعارضة الداخلية ولا استجابة حقيقية للضغوط الأممية، بل مجرد مناورة سياسية هدفها امتصاص الغضب وإعادة تدوير القانون بصياغة أقل فجاجة. جوهر المشروع، القائم على تكريس سلطة النيابة والأجهزة الأمنية على حساب الحقوق والحريات، سيظل قائمًا ما دام النظام يتعامل مع العدالة كأداة للسيطرة لا كضمانة للمواطن.