مع تطورات حرب الإبادة في قطاع غزة والعملية البرية التي تقوم بها قوات الاحتلال في مدينة غزة والمخطط الصهيوني الرامي إلى تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، تكشفت التداعيات السلبية لاتفاق الغاز الذي وقّعه نظام الانقلاب بقيادة عبدالفتاح السيسي مع دولة الاحتلال لاستيراد الغاز، والذي يقدر بنحو 35 مليار دولار ويمتد حتى عام 2040.
هذا الاتفاق الكارثي تحوّل إلى ورقة ضغط في أيدي الصهاينة على سلطات العسكر للقبول بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء وفي نفس الوقت لم يحقق هدفه الاقتصادي، بل تحول إلى مصدر توتر جديد، مع محاولات الصهاينة استغلاله لدفع عصابة العسكر للقبول بتهجير الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء .
كارثة استراتيجية
من جانبه وصف -الخبير الاقتصادي زهدي الشامي الصفقة بأنها “كارثة استراتيجية جديدة” و”تكبيل طويل الأمد لقرار مصر في مجال الطاقة”، معتبرًا أنها تمثل استمرارًا لسياسات خاطئة أدت إلى وضع البلاد تحت رحمة الغاز الصهيوني.
وقال الشامي في تصريحات صحفية: إن "سلطات الانقلاب كان يفترض أن تتعلم من أخطائها السابقة، حين وقّعت قبل سنوات صفقة لاستيراد الغاز من الصهاينة بقيمة 15 مليار دولار، ثم تم رفعها لاحقًا إلى 20 مليار، بدلاً من الاستثمار في تطوير حقول الغاز المصرية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، موضحًا أن المفارقة أن الحقول الصهيونية، التي نصدر منها اليوم، تقع جغرافيًا بالقرب من المياه المصرية، وهناك شكوك مشروعة بأنها تحتوي على غاز مصري تمت السيطرة عليه بفعل غياب الحسم في ترسيم الحدود البحرية في وقت مبكر .
وانتقد التناقض الصارخ في سياسات الانقلاب، موضحًا أن اعتماد الانقلاب على الغاز الصهيوني يقيد قدرته على اتخاذ مواقف حازمة تجاه العدوان والبلطجة الصهيونية، حيث يمكن لدولة الاحتلال استخدام هذا الاعتماد كورقة ضغط سياسية واقتصادية في أوقات الأزمات.
وأضاف الشامي: بدلاً من أن تخطط حكومة الانقلاب لإنهاء هذا الوضع المهين وإصلاح سياساتها في مجال الطاقة، نجدها اليوم توسع نطاق الاعتماد على نفس المصدر، وبصفقة أكبر بكثير، لتصل إلى 35 مليار دولار وتمتد حتى 2040 ، معتبرًا أن ذلك يرهن جزءًا من الأمن القومي المصري لاعتبارات السوق الصهيونية .
واعتبر أن اتفاق الغاز ليس مجرد اتفاق تجاري، بل إعادة صياغة لعلاقات القوة بين سلطات الانقلاب ودولة الاحتلال على أسس تجعل الأخيرة شريكًا إجباريًا في معادلة الطاقة المصرية.
وتساءل الشامي : ما معنى أن نربط احتياجاتنا من الطاقة بمصدر واحد في دولة تحتل أرضًا عربية وتخوض حربًا مستمرة على حدودنا؟ وأي منطق يجعلنا نضاعف الاعتماد بدل أن نبحث عن بدائل؟ معتبرا ما يحدث ليس مجرد خطأ في التقدير، بل جريمة كبرى بحق مصر وأمنها القومي، لأنها تضعنا في وضع التابع لا الشريك، وتلزمنا بسياسات تتعارض مع مصالحنا الوطنية، إنه عبث سياسي واقتصادي سيدفع المصريون ثمنه لعقود قادمة .
بدائل إقليمية
وقال السفير معتز أحمدين، مندوب مصر السابق لدى الأمم المتحدة: "حسنا فعل نتنياهو بتجميد الصفقة، فذلك قد يفتح المجال لمناقشة مجتمعية وبرلمانية أوسع حولها، مؤكدا أن المكاسب المروج لها غير مؤكدة، وتعتمد على متغيرات لا يمكن ضمانها، مثل أسعار الغاز المستقبلية أو استمرار الطلب الأوروبي المرتفع".
وتوقع أحمدين في تصريحات صحفية أن تتجه أوروبا مستقبلا إلى تخفيض اعتمادها على الغاز لصالح مصادر الطاقة المتجددة، مما يقلص فرص مصر في الاستفادة من التصدير عبرها، مشيرا إلى أن السلوك الصهيوني يجعل أي تعاون إستراتيجي محفوفا بالمخاطر، في ظل انتهاكات دولة الاحتلال المتكررة للاتفاقيات الدولية، سواء مع مصر أو مع دول أخرى مثل لبنان وسوريا، فضلا عن خروقاتها المتواصلة في غزة.
واعتبر أن الموقف الحالي يمثل فرصة لمصر للتراجع عن الصفقة، وربط أي اتفاقات مستقبلية بوقف الحرب على غزة وإعادة إعمارها، مطالبا بتوجيه جزء من عوائد الغاز لصالح التعويضات والإعمار .
وأشار أحمدين إلى أن أمام حكومة الانقلاب بدائل إقليمية تتمثل في السعودية وقطر والجزائر، إضافة إلى ما ينتج محليا، مشددا على أن الظروف الطارئة تمنح مصر حق تعديل حجم صادراتها بما يخدم استقرار السوق الداخلي .
ورقة ضغط
وأكد الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن دولة الاحتلال تنظر إلى الاتفاقية باعتبارها ورقة ضغط على نظام الانقلاب، مشيرا إلى أن هذا ورد صراحة في مقالات صهيونية أشارت إلى أن دولة الاحتلال تمتلك أدوات عديدة للضغط على السيسي، من بينها العلاقات مع الولايات المتحدة، وموقف المؤسسات المالية الدولية، وأزمة سد النهضة، وأخيرا اعتماد مصر على الغاز الصهيوني .
وقال السيد في تصريحات صحفية: إن "توقف الإمدادات خلال الحرب الصهيونية الايرانية أجبر حكومة الانقلاب على وقف نشاط مصانع الأسمنت والأسمدة وغيرها، الأمر الذي استخدم لاحقا كورقة ضغط علنية في خطاب نتنياهو حين هدد باستخدام الغاز كسلاح لإجبار السيسي على قبول تهجير الفلسطينيين".
وتساءل السيد إذا كانت هذه المخاطر واضحة للجميع، فلماذا تقدم حكومة الانقلاب على إبرام اتفاق طموح يمتد 15 عاما بقيمة 35 مليار دولار مع دولة الاحتلال، في حين تشن الأخيرة حربا مدمرة على الفلسطينيين في غزة؟ .