احتجاجات «جيل زد» ومستقبل العالم!

- ‎فيمقالات

 

لا تزال خاضعة للتفاوض ..  كواليس تعديلات نتنياهو على خطة ترامب بشأن غزة

يشهد المغرب منذ السبت الماضي، في أكثر من 11 مدينة، حركة احتجاجات تعتبر الأكبر منذ سنوات.

بدأت هذه المظاهرات على منصة للتواصل الاجتماعي بعد تشكّل مجموعة سمّت نفسها «جيل زد 212»، ووصفها المنتسبون إليها، الذين وصل عددهم إلى 12 ألف عضو، بأنها «فضاء للنقاش» فقط يجمع شبابا مستقلين «لا ينتمون إلى أي جهة سياسية».

هبط الشباب المغربي إلى الميادين العامة مطالبين الحكومة بتأمين فرص عمل، وتحسين الظروف الصحية، والتعليم، وضمان العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى ضبط أسعار المواد الأساسية، ورفع الحد الأدنى للأجور، وإصلاح نظام التقاعد، وحماية حق التظاهر والتعبير السلمي.

ردّت قوات الأمن المغربية على الدعوات للتظاهر باستنفار كبير، وعملت على اعتقال المئات وتفريق المحتجين، باعتبار أنهم لم يحصلوا على تراخيص للتظاهر، وهو ما أدى لارتفاع منسوب العنف بين المتظاهرين وعناصر الأمن، وحسب أرقام وزارة الداخلية المغربية فإن 263 فردا من قوات الأمن و23 مدنيا أصيبوا خلال احتجاجات أول أمس الثلاثاء، وأنها اعتقلت 409 أشخاص.

استندت مطالبات المحتجين على وقائع معلومة، ومن ذلك أن معدل البطالة في المغرب يقارب 13 بالمئة، وفي القطاع الصحي تحتل البلاد المرتبة 94 من أصل 99 دولة في مؤشر «نامبيو» للرعاية الصحية لعام 2025، حيث يتواجد ما يعادل 4 أطباء لكل 10 آلاف نسمة، وتعاني الحقوق الأساسية للمواطنين، في الشغل والتعليم، إشكاليات كبيرة، وتشير الأرقام إلى أزمة اجتماعية، كما تشير طريقة تنظيم الاحتجاجات عبر وسائل التواصل إلى رفض للبنى السياسية الموجودة، بدءا من الحكومة، ووصولا إلى الأحزاب والنقابات، وإلى عجز هذه البنى في علاج هذه الأزمة، أو استيعاب الشباب ومطالبهم.

اختار المنظمون الأوائل موقع «ديسكورد»، الذي نشأ عام 2015 كمنصة لـ«مجتمع الألعاب»، ثم كمنصّة «لإنشاء وإدارة المجتمعات الخاصة والعامة»، وسمحت تطبيقات الخصوصية في المنصة، وتحوّلها من ألعاب الفيديو إلى غرف الدردشة، بتوظيفها السياسي من قبل بعض تيارات اليمين المتطرّف الأمريكي لتنظيم احتجاجات، ولمناصرين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قادوا هجوما على مبنى الكابيتول احتجاجا على إعلان خسارته للانتخابات عام 2020

باختيارها الذكيّ لهذه المنصّة، وبتسمية نفسها «جيل زد»، الذي ولد في ذروة ثورة التكنولوجيا الحديثة والإنترنت، حدّدت المجموعة المؤسسة «اللغة الرمزيّة» العولمية لوجودها، واستخدمت اللغة العولمية نفسها لتحديد إطارها الاجتماعي عبر تخصيصها بجيل المولودين بين 1996 و2009، وبعد هذا التحديد الذي جذب آلاف الشبان المغاربة، كان طبيعيا أن ينتقل هذا الزخم الاجتماعيّ من قاعات الدردشة الخاصة إلى الشارع، وأن يجد شباب «جيل زد» أنفسهم في الشوارع، وهو تطوّر طبيعي جرى مع حركات أخرى تركت بصماتها الكبيرة على التاريخ السياسي المعاصر.

تؤشر احتجاجات المغرب، صراحة، إلى مستقبل سياسيّ لا يختصّ بالمغرب وحده، وتؤكد على التغييرات الهائلة التي أحدثتها الثورة الرقمية الراهنة في كافة مجالات الحياة العامة، وعلى قدرة وسائل التواصل، أكثر بكثير من الأطر التقليدية الحزبية والنقابية، على تأطير الاحتجاجات على القضايا السياسية الملحة.

اندلعت في النيبال الشهر الماضي احتجاجات واسعة بعد حظر الحكومة العديد من منصات التواصل الاجتماعي مما أدى للإطاحة بالحكومة، ويذكر ذلك بالاحتجاجات العنيفة التي انطلقت في لبنان في تشرين أول/ أكتوبر 2019 حين أعلنت الحكومة ضريبة على موقع التواصل الاجتماعي «واتساب»، وجمع الحدثين مع السياق الآنف، مغربيا وعالميا، يؤكد، بكل وضوح، أن التكنولوجيا صارت عنصرا أساسيا في نقل الفضاء الشخصي إلى العام، ويقلب علاقة الشباب، والجمهور العام، من «الدردشة» والألعاب، إلى ميادين المدن والتأثير في السياسات العامة.