شهدت عدد من محافظات الجمهورية غرق بعض القرى والأراضى الواقعة حول نهر النيل والتى تسمى طرح النهر ما يكشف عن عدم استعداد حكومة الانقلاب لمواجهة كوارث سد النهضة الأثيوبي الذى فشل عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموى فى منع بنائه كما فشل فى اجبار أديس ابابا على التوقيع على اتفاق ينص على مشاركة دولتى المصب مصر والسودان مع اثيوبيا فى إدارة وتشغيل السد .
ورغم هذه الكارثة لم توجه حكومة الانقلاب أى اتهامات ضد اثيوبيا ولم تتخذ أى موقف للدفاع عن مصالح المصريين
يشار إلى أنه من الناحية الفنية، كان من المفترض أن تبدأ إثيوبيا في تخزين المياه بسد النهضة بشكل تدريجي منذ بداية يوليو وحتى نهاية أكتوبر، ثم تقوم بتصريفها بشكل منظم لتوليد الكهرباء على مدار العام، بما يتسق مع ما تدعيه بشأن فوائد السد في تنظيم الفيضان وحماية السودان من الغرق وتوفير الكهرباء للشعب الإثيوبي.
غير أنه في نهاية أغسطس لوحظ أن مشغلي السد الإثيوبي خالفوا القواعد الفنية والعلمية المتعارف عليها، حيث قاموا بتخزين كميات أكبر من المتوقع من مياه الفيضان مع تقليل التصريفات من نحو 280 مليون م³ إلى 110 ملايين م³ يوم 8 سبتمبر 2025.
وتدل هذه التصرفات على توجه إثيوبي متعجل نحو إتمام الملء بصورة غير منضبطة، بغرض الوصول إلى منسوب 640 مترًا فوق سطح البحر، ثم فتح المفيض الأوسط ومفيض الطوارئ لساعات معدودة لاستخدامها فقط كـ«لقطة إعلامية» واستعراض سياسي فيما سُمّي باحتفال افتتاح السد يوم 9 سبتمبر 2025، بعيداً عن أي اعتبار للسلامة المائية أو مصالح دول المصب.
وتأكدت هذه التقديرات بما حدث فعلياً؛ إذ عمد المشغل الإثيوبي عقب انتهاء ما سُمّي بالاحتفال يوم 10 سبتمبر إلى تصريف كميات ضخمة من المياه، بلغت 485 مليون م³ في يوم واحد، تلتها زيادات مفاجئة وغير مبررة في التصريفات وصلت إلى 780 مليون م³ يوم 27 سبتمبر، ثم انخفضت إلى 380 مليون م³ يوم 30 سبتمبر. كما أظهرت التقديرات الخاصة بمناسيب السد الإثيوبي انخفاض المنسوب بما يقارب متراً واحداً، وهو ما يعادل تصريف نحو 2 مليار م³ من المياه المخزنة دون مبرر، بخلاف التصرفات الناتجة عن الفيضان نفسه، وهو ما فاقم من كميات المياه المنصرفة وأكد الطبيعة غير المنضبطة والعشوائية لإدارة السد .
اتفاق ملزم
من جانبه حذر الخبير الدولي في الموارد المائية الدكتور خالد أبو زيد المدير الإقليمي للموارد المائية بمنظمة سيداري،من أن غياب اتفاق إطاري ملزم بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن تشغيل سد النهضة يهدد الوارد المائي إلى دولتي المصب كما وتوقيتا
وأكد “أبو زيد” فى تصريحات صحفية أن إدارة إثيوبيا المتفردة للسد تزيد من تعقيد إدارة السدود السودانية والمصرية، محذرا من سيناريوهات كارثية مثل جفاف الخزانات أو فيضانات مفاجئة في السودان، مع فواقد تصل إلى 5 مليارات متر مكعب سنوياً بسبب البحيرة الاحتياطية.
وأوضح أنه “في ظل غياب اتفاق قانوني ملزم بقواعد التشغيل والملء وإعادة الملء، يؤدي عدم التنسيق إلى مشاهد الفيضانات التي تغمر الآن مناطق عديدة في السودان ومصر، وهذا الوضع غير مقبول تماماً .
ولفت أبو زيد إلى أن السد تتكون خلفه بحيرة بسعة قصوى تصل إلى 74 مليار متر مكعب، أي حوالي مرة ونصف متوسط تصرف النيل الأزرق ويصاحبها فواقد بسبب التسرب والبخر تصل إلى 5 مليارات متر مكعب سنويا، مؤكدا أن هذه الكميات المخزنة، بالإضافة إلى الفواقد تستقطع من تصرف النيل الأزرق الذي كان سيصل إلى مصر والسودان للاستخدامات الزراعية والتخزين السنوي في بحيرة ناصر، خاصة في سنوات الجفاف عندما ينخفض إيراد النيل عن المتوسط ..
وشدد على أن تشغيل السد على متوسط مناسيب مرتفعة خلفه سيؤدي إلى زيادة الفواقد والاستقطاعات، مما يقلل من الوارد إلى مصر والسودان”.
وأضاف أبو زيد أن إدارة إثيوبيا المنفردة لعمليات التخزين والتفريغ، دون اتفاق أو تشاور مع دول المصب، تزيد من تعقيد إدارة السدود على النيل في مصر والسودان، وهي أكثر خطرا على السدود السودانية مثل الروصيرص وسنار، اللذين يقعان مباشرة في مصب السد الإثيوبي وسعتهما التخزينية صغيرة نسبياً .
وأشار إلى أنه حسب قرارات إثيوبيا للتشغيل، هناك سيناريوهات عديدة يجب على السودان التعامل معها في وقت قصير، وقد لا يكون هناك الوقت الكافي لاتخاذ الاحتياطات اللازمة.
وأوضح أبو زيد أنه قد تجف الخزانات السودانية نتيجة تخزين زائد إثيوبي في توقيت غير مناسب، أو تغرق السودان نتيجة تصريف زائد في وقت غير مناسب، محذرا من أن غياب التشاور في أوقات الجفاف والفيضانات المرتفعة يتسبب في ارتباك التخطيط والتصرف واتخاذ الإجراءات في التوقيتات المناسبة بدول المصب .
موسم الفيضان
وأكد الدكتور محمد نصرالدين علام وزير الري الأسبق: أن ما تشهده بعض القرى في المنوفية والبحيرة من تجمعات مائية ليس وليد اللحظة ولا يرتبط مباشرة بارتفاع منسوب النيل أو بفائض سد النهضة، بل هو أمر يحدث سنويًا مع بداية موسم الفيضان.
وأوضح علام فى تصريحات صحفية أن مصر خلال السنوات العشر الماضية عملت على إنشاء وتطوير مسارات مائية جديدة وشبكات صرف زراعي قادرة على استيعاب أي زيادات في المياه، سواء الناتجة عن الأمطار أو عن تدفق النهر.
وأضاف أن هناك خططً طويلة المدى للتعامل مع مثل هذه المواقف، وتشمل توزيع المياه وإعادة ضخها عبر الترع والمصارف العمومية، إلى جانب استخدام ماكينات الشفط لتصريف المياه من الأراضي الزراعية المنخفضة إلى مجاري آمنة.
وأشار علام إلى أن المناطق التي غرقت جزئيًا في المنوفية معروفة تاريخيًا بانخفاض مناسيبها، ما يجعلها عرضة للتجمعات المائية كل عام.
وعن عرق بعض المناطق فى البحيرة، أوضح أن الوضع مشابه، حيث تُعتبر مناطق المصارف هناك عرضة لتجمع المياه نتيجة التداخل بين مياه الري والأمطار والتصريف الطبيعي.
وشدد علام على أن هذه الظاهرة لا تمثل خطرًا على السكان أو الإنتاج الزراعي، إذ يتم التعامل معها عبر فرق ميدانية تابعة لوزارة رى الانقلاب.
وأكد أن الحديث عن ارتباط ما جرى بزيادة منسوب النيل بسبب سد النهضة غير دقيق، لأن مصر لديها شبكة متكاملة من المسارات المائية وشبكات الصرف الزراعي تستوعب أي زيادات طارئة.
كارثة مائية
وتوقع الخبير المائي الدكتور ضياء القوصي،عضو اللجنة الفنية السابقة لسد النهضة، أن مصر تواجه كارثة مائية كبرى بسبب سد النهضة مؤكدا أن تخزين إثيوبيا لكميات كبيرة من مياه نهر النيل سيؤدي إلى تقليل حصة مصر من المياه، مما قد يؤثر على توليد الكهرباء.
وحذر القوصي فى تصريحات صحفية من أن مصر بدأت تسحب من احتياطي مياهها في بحيرة ناصر، مما قد يؤدي إلى جفاف البحيرة وتأثيرات سلبية على توليد الكهرباء.
وأشار إلى أن هذا النقص في المياه سيكون له تأثيرات اقتصادية كبيرة على مصر، خاصة في ظل الاعتماد الكبير على نهر النيل كمصدر رئيسي للمياه موضحا. أن هذا الوضع قد يؤدي إلى أزمة بيئية كبيرة، خاصة إذا استمرت إثيوبيا في حجز المياه دون اتفاق مع مصر والسودان.
وأعرب القوصي عن أسفه لأن إثيوبيا تتجاهل الاتفاقيات والقوانين الدولية، مما يزيد من تعقيدات الأزمة محذرا من أن استمرار إثيوبيا في حجز المياه قد يؤدي إلى خطورة شديدة على الأمن المائي المصري.