يزور القاهرة خلال أيام .. .. “بلير” في خطة غزة يقترن بالإمارات بخدمة المصالح الصهيو-أمريكية.

- ‎فيتقارير

يعود اسم توني بلير إلى الواجهة مجددًا في سياق ترتيبات "اليوم التالي" لوقف الحرب في قطاع غزة، حيث يُطرح كمندوب سامٍ لإدارة مرحلة انتقالية ضمن خطة أمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب.

السياق العام يشير إلى أن العلاقة بين توني بلير والإمارات متبادلة ومبنية على مصالح مشتركة، وليست من طرف واحد فقط، لكن من خلال الوثائق والتقارير، يبدو أن بلير هو من بادر بالاقتراب من دول الخليج، وخاصة الإمارات، في إطار دوره كمبعوث دولي وصاحب شبكة علاقات واسعة في المنطقة.

 

وللفلسطينيين تاريخ طويل مع بلير، الذي شغل منصب مبعوث اللجنة الرباعية الدولية منذ عام 2007 وحتى 2015، بعد استقالته من رئاسة الوزراء البريطانية. اللجنة الرباعية، التي تأسست عام 2002، ضمت الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وكانت مهمتها دعم عملية السلام، لكنها وُصفت بشروطها المهينة.

 

وخلف بلير جيمس وولفنسون، الذي استقال بسبب فوز حركة حماس في الانتخابات، لكنه رفض تجويع الفلسطينيين كوسيلة ضغط سياسي. أما بلير، فقد ارتبط اسمه بتبني سياسات المحافظين الجدد في واشنطن، وساند الغزو الأمريكي للعراق والعدوان "الإسرائيلي" على لبنان عام 2006، مما كشف عن انحيازه الكامل للسياسات الأمريكية و"الإسرائيلية".

 

وخلال عمله كمبعوث للجنة الرباعية الدولية، ركز بلير على مشاريع اقتصادية بدلاً من الدفع الحقيقي نحو السلام، وسوّق لفكرة "السلام الاقتصادي" عبر تحسين ظروف الفلسطينيين مقابل التنازل عن الحقوق السياسية، كما دعم فكرة الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة. في الوقت نفسه، أسس شبكة علاقات استشارية في المنطقة، وشارك في جهود تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" وعدد من الدول العربية، عبر لقاءات سرية بدأت عام 2015، وأدت لاحقًا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية.

 

وطرح بلير رؤية جديدة لقلب معادلة التسوية، في عام 2020، داعيًا إلى إحلال "السلام" بين "إسرائيل" والدول العربية أولًا، ثم معالجة القضية الفلسطينية لاحقًا، وهو ما تبناه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لاحقًا. وهذه الرؤية عززت موقع بلير لدى الإدارة الأمريكية، التي كلفته بلعب دور محوري في صياغة مستقبل غزة بعد الحرب، بالتعاون مع شخصيات نافذة مثل جاريد كوشنر وستيف ويتكوف.

خطة الثقة العظيمة

ومن جديد ظهر بلير في أغسطس الماضي في اجتماع عقده ترامب في البيت الأبيض لمناقشة أفكار حول كيفية إنهاء الحرب، التي تقترب من عاميها الثاني، وما الذي سيأتي بعد ذلك. وكان من بين المشاركين وزير الخارجية ماركو روبيو والمبعوث الرئاسي الخاص ستيف ويتكوف؛ ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير الذي طُلبت آراؤه بشأن مستقبل غزة؛ وصهر ترمب جاريد كوشنر الذي تولّى كثيرًا من مبادرات الرئيس في الشرق الأوسط خلال الولاية الأولى وله مصالح خاصة واسعة في المنطقة.

وأفرز الاجتماع الذي جمع توني بلير بالرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر في البيت الأبيض يوم 27 أغسطس، وصف بلير الحرب في غزة بأنها "فرصة لا تتكرر إلا مرة في القرن" لبناء مشاريع ضخمة بقيمة 324 مليار دولار على أنقاض الضحايا.
 

وأعاد كوشنر طرح رؤيته القديمة لتحويل غزة إلى منطقة اقتصادية دولية، تستغل موارد الغاز وتضم مشاريع مثل "قناة بن جوريون" كبديل لقناة السويس.

 

وكشفت صحيفة "فايننشال تايمز" عن خطة بعنوان "الثقة العظيمة" أعدتها مجموعة بوسطن الاستشارية ومعهد توني بلير، وتتضمن مشاريع ضخمة في غزة مثل "ريفيرا ترامب"، ومناطق صناعية ذكية، ومرافق لوجستية تربط غزة بالممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الوثيقة لم تشر إلى إعادة توطين الفلسطينيين، لكنها اقترحت تهجير نصف مليون شخص مقابل 9 آلاف دولار للفرد.

وتضمنت الخطة الأمريكية 21 بندًا، معظمها غامض ويحتاج إلى مفاوضات، باستثناء بند واحد يتعلق بإعادة الأسرى الصهاينة خلال 48 ساعة، أما بند انسحاب الاحتلال من غزة، فهو تدريجي، ويعيد إلى الأذهان تجارب فلسطينية مريرة مع إعادة الانتشار في الضفة الغربية، التي لم تكتمل بسبب مماطلة تل ابيب.

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى ما سبق وتناولته صحف صهيونية عبرية من أن الخطة أُعدت بقيادة رجال أعمال "إسرائيليين"، منهم مايكل أيزنبرج وليران تانكمان، وضابط استخبارات سابق، بالتعاون مع مجموعة بوسطن الاستشارية، وقد التقى بلير سابقًا بخالد مشعل في الدوحة ضمن تحركات سياسية متصلة بالخطة.

 

 

الدول العربية والإسلامية مطالبة بالحذر في التعامل مع هذه الخطة، وعدم التسرع في منحها الشرعية، خاصة مع الغموض المحيط بدور منظمة التحرير الفلسطينية، كان من الأفضل البناء على المبادرة المصرية، رغم عيوبها، لضمان وحدة غزة والضفة والقدس كإقليم واحد، خصوصًا بعد الاعترافات الدولية الأخيرة بدولة فلسطين.

 

 

الإمارات وبلير مصالح مشتركة

 

وأسس بلير "معهد توني بلير للتغيير العالمي" الذي يعمل على تقديم الاستشارات السياسية والاقتصادية، وكان يبحث عن شركاء إقليميين لتمويل وتنفيذ مشاريعه.

وشارك في صياغة خطط اقتصادية ضخمة لما بعد الحرب في غزة، بالتعاون مع رجال أعمال "إسرائيليين" وصناديق استثمار خليجية، ما يدل على سعيه لتأمين دعم مالي وسياسي من الإمارات والسعودية حتى إنه أطلق مشاريع تحمل أسماء زعماء الخليج مثل "MBS Ring" و"MBZ Central"، مما يوحي بمحاولة استرضاءهم أو جذبهم للمشاركة أو بالاتفاق معهم قبل ترميزهم ضمن عناوين مشاريعه.

وقال مراقبون: إن "الإمارات وتحديدا محمد بن زايد أيضًا كانت يبحث عن دور إقليمي مؤثر، خاصة في ملفات التطبيع، والاستثمار، وإعادة الإعمار. وجود شخصية مثل بلير، ذات علاقات دولية واسعة، يخدم أهدافها الاستراتيجية".

وخلص المراقبون إلى أن بلير بادر بالاقتراب، لكنه وجد في الإمارات شريكًا راغبًا وطموحًا، فباتت العلاقة بينهما أشبه بتحالف مصالح، حيث فتش كل طرف عن الآخر في الوقت المناسب.

وعمل بلير كمستشار غير رسمي لعدد من الحكومات، من بينها السعودية، عبر "معهد توني بلير للتغيير العالمي"، وشارك في مشاريع اقتصادية واستشارية تهدف إلى إعادة هيكلة السياسات العامة، خاصة في ظل رؤية السعودية 2030.

ووظف بلير مشروعيه السالفين لمحمد بن زايد ومحمد بن سلمان في خطة "الثقة العظيمة" لإعادة إعمار غزة، حيث كان الاستثمار الخليجي حاضرًا بقوة، خصوصًا من السعودية عبر صناديق سيادية.

وقالت تقارير: إن "هذه الثقة "العظيمة" جاءت من لعب بلير دورًا في التقارب بين إسرائيل ودول عربية، وكان له نشاط سري في هذا المجال منذ 2015".

وأنه في نشاطه السري؛ عمل وسيطا دوليا له قبول في بعض الدوائر الخليجية، ويُستخدم أحيانًا كقناة خلفية للتواصل مع الغرب، خاصة في ملفات حساسة مثل إيران، وفلسطين، والتطبيع.