ضربة جديدة لحرية الرأي والبحث العلمي ..دلالات الحكم على الخبير الاقتصادى عبد الخالق فاروق

- ‎فيتقارير

 

في مشهد يعيد للأذهان طريقة تصفية الأصوات المستقلة في زمن المنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي، قضت محكمة جنح الشروق بسجن الخبير الاقتصادي المعروف الدكتور عبد الخالق فاروق خمس سنوات، في محاكمة وُصفت من قانونيين وحقوقيين بأنها "صادمة وغير مكتملة الأركان القانونية"، بعد منع هيئة الدفاع من الاطلاع على أوراق القضية أو تقديم مرافعاتها.

 

الحكم، الذي صدر في غياب تام للضمانات القانونية، جاء ضد أحد أبرز الخبراء الاقتصاديين المصريين الذين لا ينتمون إلى التيار الإسلامي، ما اعتبره مراقبون رسالة مباشرة من نظام السيسي بأن القمع لا يفرق بين إسلامي أو علماني، بل يطاول كل من ينتقد سياساته أو يفضح فساده.

 

من "هل مصر بلد فقير حقاً؟" إلى زنزانة العاشر من رمضان

 

يُعد عبد الخالق فاروق (67 عامًا) من القلائل الذين واجهوا السياسات الاقتصادية الرسمية بالحجة والرقم، منذ صدور كتابه الشهير "هل مصر بلد فقير حقاً؟"، الذي كشف فيه بالأدلة زيف رواية النظام حول ضعف موارد الدولة، واتهم أجهزتها بإهدار الثروات الوطنية لصالح قلة من المنتفعين. ومنذ ذلك الحين، بات الرجل هدفًا للأجهزة الأمنية التي لاحقته مرارًا، كان آخرها هذه القضية التي انتهت بحكم قاسٍ بالسجن خمس سنوات.

 

محاكمة استثنائية… بلا دفاع ولا عدالة

 

قال المحامي نبيه الجنادي، عضو هيئة الدفاع، إن الجلسة الأخيرة كانت الثانية فقط في مسار المحاكمة، وإن الدفاع طُلب منه السماح بالاطلاع على أوراق القضية قبل الاستماع لمرافعة النيابة، لكن المحكمة رفضت الطلب وأصرت على المرافعة فورًا، ثم أصدرت الحكم من دون حضور الدفاع أو سماع دفوعه القانونية.

 

وأضاف أن فريق الدفاع فوجئ في اليوم التالي بصدور الحكم، بعد مغادرة القاضي قاعة الجلسة من الباب الخلفي من دون إعلان القرار رسميًا، في انتهاك صارخ لإجراءات التقاضي العادلة.

 

القضية، المقيدة برقم 4527 لسنة 2025 جنح الشروق، تتصل مباشرة بالقضية 4937 لسنة 2024 حصر أمن دولة عليا، والتي شملت اتهامات متكررة لكل من ينتقد النظام، مثل “الانضمام إلى جماعة إرهابية” و“نشر أخبار كاذبة” و“إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”.

 

اتهامات "جاهزة" لكل من ينتقد الجنرال

 

استندت التحقيقات إلى أكثر من 40 مقالاً نشرها فاروق خلال عامي 2023 و2024، تضمنت تحليلات نقدية للسياسات الاقتصادية للنظام، بينها مقالات بعنوان:

 

"الجنرال السيسي.. وسرقة القرن – العاصمة الإدارية نموذجاً".

 

"هل تقاضى الجنرال السيسي ثمن موقفه في محرقة غزة؟".

 

"الجنرال السيسي وحكاية جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة: استيلاء على أراضي الدولة".

 

وهو ما عده المراقبون إدانة حقيقية للنظام، وليست جريمة بحق الدولة.

 

سجن هشام جنينة… ودرس لمن يظن أنه في مأمن

 

يرى محللون أن الحكم على عبد الخالق فاروق يكرّس نهج السيسي في تصفية النخبة المدنية والعلمية، حتى من أولئك الذين دعموا الانقلاب أو ابتعدوا عن الإسلاميين. ويستحضر كثيرون تجربة المستشار هشام جنينة، الرئيس الأسبق للجهاز المركزي للمحاسبات، الذي رغم إعلانه الاعتراف بشرعية السيسي ووصفه للرئيس الشهيد محمد مرسي بـ"المعزول"، انتهى به المطاف خلف القضبان بعد كشفه عن حجم الفساد في أجهزة الدولة.

 

وبذلك، يبدو أن رسالة النظام واضحة: "لا أحد فوق القمع.. لا عالم، ولا قاضٍ، ولا خبير اقتصادي".

 

ظروف احتجاز قاسية ومحاولة لإسكاته جسديًا

 

بحسب هيئة الدفاع، يعاني الدكتور فاروق من قصور حاد في الشريان التاجي وتعرض لأزمات قلبية متكررة داخل محبسه في سجن العاشر من رمضان، حيث يُحبس داخل زنزانة مغلقة 23 ساعة يوميًا، ويُحرم من التريض والعلاج، في ظروف وصفها محاموه بأنها تعذيب بطيء يهدف إلى كسر إرادته وإسكاته نهائيًا.

 

ضربة جديدة لحرية الرأي والبحث العلمي

 

الحكم الأخير، وفق خبراء حقوقيين، ليس سوى إشارة رعب موجهة لكل خبير أو أكاديمي يفكر في نقد سياسات النظام، حتى من خارج الدوائر المعارضة الإسلامية.

فالسيسي، الذي يفاخر بعلاقاته مع تل أبيب ويتبنى رؤية اقتصادية قائمة على القروض والجباية والنهب الممنهج، يبدو أنه لم يعد يحتمل صوتًا واحدًا يفضح فشله أو يضع أرقامه تحت المجهر العلمي.