كيف خرجت من المطارات والموانئ ..” الآثار المصرية” سلعة بسوق سوداء دولية ..وتمثال جنائزى ضخم يكشف مافيا البيع العابر للحدود؟!

- ‎فيتقارير

 

لم يكن الضبط الأخير في خريف 2025، الذي شمل تمثالًا جنازيًا ضخمًا من الحجر الجيري وعددًا من القطع الأثرية المصرية النادرة في الولايات المتحدة، سوى حلقة جديدة في مسلسل تهريب التراث المصري، الذي تحوّل إلى تجارة منظمة بزمن المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي، وسط اتهامات لدوائر نافذة في نظامه بالتورط المباشر في تصدير التاريخ المصري إلى الخارج مقابل مصالح مالية وسياسية مشبوهة.

 

فالولايات المتحدة ما تزال إحدى الوجهات الأساسية لشبكات تهريب الآثار، لما تمثّله من سوق ضخم لتجارة التحف والقطع النادرة، حيث تُباع القطعة الواحدة بملايين الدولارات لهواة جمع المقتنيات والمتاحف الخاصة، في ظلّ ضعف الرقابة المصرية وتواطؤ أجهزة يُفترض أنها مسؤولة عن حماية التراث الوطني.

 

الفضيحة الأخيرة جاءت بعد إعلان وزارة العدل الأميركية في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، مصادرة 14 قطعة أثرية مصرية نادرة، أبرزها تمثال جنازي ضخم يُعتقد أنه يعود لعصر الدولة القديمة، وتُقدّر قيمته بنحو 6 ملايين دولار. التحقيقات الأميركية أوضحت أن تلك القطع خرجت من مصر بطرق غير مشروعة، ومن دون مستندات تصدير رسمية، ما دفع المحكمة الفيدرالية بولاية ماريلاند إلى إصدار قرار بالمصادرة النهائية.

 

وتثير الواقعة تساؤلات خطيرة حول كيفية خروج تلك القطع من المطارات والموانئ المصرية، رغم ما يُعلن عن إجراءات تفتيش صارمة تصل إلى حد تفتيش الركاب وحقائبهم الشخصية، بينما تمرّ شحنات ضخمة من الآثار التاريخية بلا اعتراض، في مشهد يؤكد أن التهريب يجري بتعليمات عليا في “شبه دولة” لا تخضع لأي معايير رقابية أو قانونية حقيقية.

 

العديد من الخبراء يربطون بين استمرار هذه الجرائم وبين الفساد المؤسسي الذي استشرى في عهد السيسي، خاصة بعد صفقات غامضة أبرزها ما كشفته تقارير دولية عن بيع النظام نحو 32 ألف قطعة أثرية لولي عهد الإمارات محمد بن زايد، استخدمت لتأسيس متحف اللوفر في أبوظبي، من دون أن يُعلن حتى الآن من قبض ثمنها أو كيف خرجت من مصر.

 

 الحق القانوني في استرداد جميع الآثار المهربة

وفي تعليق صحفى "، أكّد الأمين العام السابق لهيئة الآثار المصرية مصطفى وزيري، أن لمصر الحق القانوني في استرداد جميع الآثار المهربة، سواء كانت مسجلة أو اكتُشفت بطرق غير شرعية، مشيراً إلى أن استعادة تلك القطع “حق لا يسقط بالتقادم” وفق اتفاقية اليونسكو لعام 1970.

 

لكن مراقبين يرون أن تصريحات المسؤولين المصريين لا تعدو كونها محاولات لتغطية الفضيحة، خاصة في ظلّ غياب أي تحرك دبلوماسي جدي لاستعادة القطع المصادرة، كما حدث في مرات سابقة حينما صادرت الجمارك الأميركية عشرات القطع المصرية عام 2011، أو التابوت الذهبي الذي استُعيد عام 2019 بعد عرضه في متحف المتروبوليتان.

 

ويؤكد خبراء قانونيون أن استعادة تلك الآثار تتطلب إثباتًا قضائيًا رسميًا لملكيتها من الجانب المصري، وهو ما يصعب تحقيقه في ظلّ ضعف توثيق الممتلكات الأثرية وتدمير سجلاتها خلال السنوات الأخيرة.

 

ويرى أحد الخبراء الاقتصاديين المعارضين، في تصريح خاص، أن “نهب الآثار وتهريبها أصبح موردًا سريًا للنظام لتغطية العجز المالي، تمامًا كما يفعل ببيع أصول الدولة ومرافقها السيادية”، مضيفًا أن “التهريب المنظّم للتراث هو الوجه الآخر لنهب الثروات الطبيعية تحت شعار التنمية”.

 

هكذا يتحول تاريخ مصر إلى سلعة في سوق سوداء دولية، بينما تُدار الدولة كإقطاعية خاصة بعصابة حاكمة، تبيع الأرض والآثار والذاكرة، بلا رقيب ولا حساب.