تراجع مؤشر مديري المشتريات يكشف أزمة عميقة في الاقتصاد المصري وسط هيمنة الجيش على مفاصل السوق في أحدث مؤشر على هشاشة الاقتصاد المصري.
كشف تقرير ستاندرد آند بورز غلوبال لشهر سبتمبر/أيلول 2025 عن تراجع جديد في ظروف العمل بالقطاع الخاص غير النفطي، حيث هبط المؤشر إلى 48.8 نقطة مقابل 49.2 في أغسطس/آب، ليصل إلى أدنى مستوى له خلال ثلاثة أشهر، وهو ما يشير إلى استمرار الانكماش في النشاط الاقتصادي.
تباطؤ المبيعات وتراجع الطلبيات التقرير أرجع هذا التراجع إلى هبوط حاد في المبيعات الجديدة وتقلص تدفقات الطلبات، نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار وضغوط الأجور.
كما توقفت حركة التوظيف تقريباً بعد زيادات طفيفة في الأشهر الماضية، بينما عبّرت غالبية الشركات عن عدم نيتها التوسع في العمالة خلال المدى القريب.
الخبير الاقتصادي في ستاندرد آند بورز، ديفيد أوين، أوضح أن "الشركات تحاول جاهدة الحصول على أعمال جديدة رغم الظروف الصعبة، لكنها تجد بعض الطمأنينة في تراجع تكاليف مستلزمات الإنتاج"، في إشارة إلى انخفاض معدل تضخم مدخلات الإنتاج لأدنى مستوى منذ مارس/آذار، بدعم من تحسّن نسبي في سعر الجنيه المصري أمام الدولار.
تضخم الأجور وضغوط المعيشة في المقابل، أشار التقرير إلى ارتفاع تكاليف الأجور بأسرع وتيرة منذ مايو/أيار 2024، ما يعكس تزايد أعباء المعيشة ورفع الحد الأدنى للأجور.
كما لفت إلى أن بعض الشركات بدأت في تخزين مستلزمات الإنتاج تحسباً لمزيد من الاضطرابات، رغم تراجع معدلات الشراء. تدهور الصادرات وانعدام الثقة وسجّل التقرير تراجع مبيعات التصدير للشهر العاشر على التوالي، في أسوأ أداء منذ ثلاث سنوات، فيما انخفضت ثقة الشركات في المستقبل إلى أحد أدنى مستوياتها تاريخياً.
هذا الأداء السلبي يتناقض مع وعود النظام العسكري الحاكم في القاهرة بجذب الاستثمارات وتوسيع دور القطاع الخاص، وهو هدف يركّز عليه صندوق النقد الدولي في إطار برنامج القرض الممتد بقيمة 8 مليارات دولار.
الصندوق شدّد في مراجعاته الأخيرة على ضرورة تقليص نفوذ الدولة والجيش في الاقتصاد وتسريع برنامج الطروحات الحكومية، غير أن التنفيذ ما زال بطيئاً ومحدوداً.
اقتصاد مُختطف بيد الجيش يرى اقتصاديون معارضون أن الهيمنة الواسعة للمؤسسة العسكرية على الاقتصاد المصري تمثل العائق الأكبر أمام تعافي القطاع الخاص، إذ تحتكر القوات المسلحة قطاعات استراتيجية تمتد من الإنشاءات والطاقة إلى تجارة السلع الغذائية والدواء، ما يُقصي المنافسة العادلة ويُخيف المستثمرين المحليين والأجانب.
ويقول الخبير الاقتصادي المعارض (اسم افتراضي): إن "كل المؤشرات الحالية تؤكد أن الانكماش ليس مجرد دورة اقتصادية عابرة، بل نتيجة مباشرة لتحويل الاقتصاد إلى منظومة احتكارية مغلقة تدار من مؤسسات تابعة للجيش، وليس وفق آليات السوق أو الكفاءة ، ديون متصاعدة وارتباط بالخارج وفي موازاة هذا التراجع، ارتفع الدين الخارجي المصري إلى 161.2 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران 2025، مقارنة بـ155.1 مليار دولار نهاية العام الماضي، وفق بيانات البنك المركزي".
وفي الوقت نفسه، أعلنت وزيرة التخطيط رانيا المشاط بحكومة الانقلاب أن بلادها حصلت على تمويلات ميسّرة ومنح بقيمة 4 مليارات يورو من فرنسا حتى عام 2030، في إطار اتفاق تعاون مالي جديد.
أزمة ثقة قبل أي إصلاح ورغم محاولات النظام طمأنة المستثمرين عبر وعود بطرح الشركات الحكومية في البورصة، فإن الثقة في السوق المصرية ما تزال ضعيفة، خصوصاً في ظل القبضة الأمنية والبيروقراطية وغياب الشفافية حول إدارة الموارد العامة.
ويخلص مراقبون إلى أن تراجع مؤشر مديري المشتريات ما هو إلا عرض من أعراض الأزمة الأعمق، وهي احتكار الجيش للاقتصاد وتحجيم القطاع الخاص المدني، وهو ما يجعل أي إصلاح حقيقي أو نمو مستدام مستحيلاً دون تفكيك تلك المنظومة العسكرية التي تخنق الإنتاج والاستثمار.