في الوقت الذي يحيي فيه العالم اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام (10 أكتوبر/تشرين الأول)، تتصدر مصر قائمة العار ضمن الدول الأكثر تنفيذاً لهذه العقوبة، بعدما تحوّل القضاء فيها إلى أداة قتل سياسي بأوامر من الطاغية عبد الفتاح السيسي، الذي يدير البلاد كما تُدار المذابح، ويستبدل العدالة بالمشانق.
فبحسب تقرير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، أصدرت محاكم الانقلاب منذ استيلاء السيسي على السلطة في يوليو/تموز 2013 أكثر من 2300 إحالة إلى المفتي، و1613 حكماً نهائياً بالإعدام في قضايا ذات طابع سياسي، نُفذ منها فعلياً 105 أحكام. أرقام تكشف أن النظام لا يحكم بالعدل، بل بالانتقام، وأنه يستعمل القضاء العسكري ودوائر الإرهاب كسلاح لتصفية خصومه السياسيين.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل إن سلطات الانقلاب تمارس سلسلة من الانتهاكات الممنهجة ضد المتهمين تبدأ بالاختفاء القسري والتعذيب لانتزاع الاعترافات، وتنتهي بمحاكمات هزلية تفتقد أبسط ضمانات العدالة. وهي محاكمات تُدار بنفس منطق الأجهزة الأمنية التي تعتبر كل معارض "عدواً للدولة" وكل صوت حر "تهديداً وجودياً".
مشانق بلا تمييز… النساء أيضاً في طابور الإعدام
تقرير حملة "أوقفوا عقوبة الإعدام في مصر" كشف عن تصاعد خطير في الأحكام ضد النساء، إذ شهد عامَا 2023 و2024 صدور 963 حكماً بالإعدام، بينها 84 حكماً على سيدات. وفي النصف الأول من 2025 وحده، أُصدرت 31 حكماً على نساء من أصل 342، في مشهد يعكس قسوة غير مسبوقة.
وترى الحملة الحقوقية أن القضاء المصري يتعامل مع النساء من منظور ذكوري متخلف، لا يراعي ظروفهن الاجتماعية أو النفسية، ولا خلفيات العنف الأسري التي تدفع بعضهن لارتكاب جرائم دفاعاً عن النفس. فالمقاصل عند السيسي لا تميّز بين رجل وامرأة، الجميع في نظره مجرد "ملف أمني" يستحق الشطب.
قضاء الرجال والدماء
دراسة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات أكدت أن المنظومة القضائية في مصر ذكورية بالكامل: القضاة، والمشرعون، والمنفذون… جميعهم رجال يرون النساء ككائنات بلا وعي أو إرادة. وهو ما يجعل الأحكام انعكاساً لثقافة متوارثة من التسلط والتمييز، لا للعدالة ولا لروح القانون.
أما المبادرة المصرية للحقوق الشخصية فوثّقت القفزات الجنونية في إصدار أحكام الإعدام:
295 حكماً في 2020
403 أحكام في 2021
538 حكماً في 2022
348 حكماً في 2023
380 حكماً في 2024
269 حكماً في النصف الأول من 2025
أرقام لا تعرفها إلا الدول البوليسية التي تحكم بالرعب، لا بالقانون.
عدالة غائبة.. ومشانق حاضرة
ويحذر الحقوقيون من أن هذه الأحكام تصدر في بلد يحتل المرتبة 135 من أصل 142 في "مؤشر سيادة القانون"، ما يعني أن تنفيذ الإعدام في مثل هذا النظام هو جريمة مركبة: جريمة قضاء مسيّس يقتل باسم القانون، وجريمة سلطة فاقدة للشرعية تمارس القتل بغطاء من الصمت الدولي.
فحتى اللحظة الأخيرة، يُمنع أهالي المحكومين من زيارة أبنائهم أو وداعهم قبل الإعدام، ولا يتم إبلاغهم بموعد التنفيذ، في مخالفة صريحة لقانون الإجراءات الجنائية. وكأن النظام يريد أن يقتلهم مرتين: مرة في الزنازين، ومرة في قلوب أمهاتهم.
الغرب المنافق وواشنطن "الصهيو-صليبية"
ورغم كل هذه الجرائم، تواصل الولايات المتحدة ودول الغرب التحدث عن "شراكتها الاستراتيجية" مع نظام السيسي، بينما تتغاضى عن سجله الدموي في حقوق الإنسان. فالسفاح الذي ذبح المصريين في رابعة والنهضة، وقاد حرب إبادة على الإسلاميين وكل من رفض انقلابه، أصبح في نظر واشنطن حليفاً مخلصاً لأنه "قضى على الإسلام السياسي" وأغلق باب الأمل أمام الشعوب الحرة.
أما دونالد ترامب، الصهيوصليبي كما وصفه ناشطون، فقد قالها صراحة: "السيسي ديكتاتوري المفضل"، ومنذها صار الطاغية المصري يحصل على صك غفران أمريكي لكل جريمة يرتكبها، من الإعدامات إلى الإخفاء القسري إلى السجون التي تمتلئ بعشرات الآلاف من الأبرياء.
الشريعة بريئة من سفاح العسكر
الحقوقي خلف بيومي يؤكد أن استناد النظام إلى الشريعة لتبرير الإعدام هو تلاعب مفضوح، فـ"الحدود تُدرأ بالشبهات" وفق القاعدة الفقهية، بينما نظام السيسي يبني أحكامه على الشبهات ذاتها! مضيفاً أن الإسلام حفظ حق الإنسان في الحياة والكرامة، بينما العسكر جعلوا الموت سياسة رسمية لإسكات الشعب.
لا معنى للعدالة
في مصر السيسي، لا قيمة للحياة، ولا معنى للعدالة. المشانق أصبحت شعار النظام، والقضاء تحوّل إلى ذراع للانتقام. أما أمريكا والغرب، فيكفيهم أن السفاح المصري أدى وظيفته القذرة في سحق الإسلاميين، ليغضّوا الطرف عن أنه يقتل شعباً بأكمله كل يوم باسم "القانون".