بعد أكثر من عشر سنوات من الوعود والتهديدات الجوفاء، خرج المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي مجدداً ليُطلق تصريحات متكررة حول “رفض مصر الإجراءات الأحادية على نهر النيل”، في وقت انتهت فيه إثيوبيا فعلياً من بناء سد النهضة وإتمام كل مراحل التخزين، دون أن تحرّك القاهرة ساكناً سوى بيانات مكررة وخطب باردة.
ففي كلمته خلال افتتاح "أسبوع القاهرة للمياه"، عاد السيسي ليؤكد أن “الأمن المائي لمصر قضية وجودية”، وأن بلاده "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام النهج الإثيوبي غير المسؤول"، رغم أن الواقع يقول: إن "النظام نفسه وقف متفرجاً طوال عقد كامل بينما كانت أديس أبابا تبني السد وتملأ خزاناته على مراحل، واحدة تلو الأخرى، وسط عجز مصري رسمي وصمت مدوٍ من المؤسسة العسكرية التي طالما تغنّى قادتها بشعار “جيش مسافة السكة”. .
ورغم أن السيسي حاول الظهور بمظهر “الحريص على مصالح الشعب” متحدثاً عن “الحلول الدبلوماسية والحكمة السياسية”، إلا أن مراقبين يرون أن هذه اللغة لم تعد تُقنع أحداً، خصوصاً بعد أن تخلّى النظام فعلياً عن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل بتوقيعه “اتفاق المبادئ” عام 2015، الذي منح إثيوبيا الغطاء القانوني لاستكمال مشروعها المائي الضخم.
ويشير خبراء إلى أن حديث السيسي عن “تعنت إثيوبيا” لا يُخفي فشل نظامه في استخدام أي أوراق ضغط حقيقية، لا على المستوى السياسي ولا الإقليمي، بعدما عزل مصر عن عمقها الأفريقي، وحوّل السياسة الخارجية إلى علاقات تجارية محدودة هدفها خدمة مصالح اقتصادية مرتبطة بشبكة رجال الأعمال والجيش .
وفي الوقت الذي يعاني فيه أكثر من مئة مليون مصري من أزمات متفاقمة في الغذاء والزراعة، بسبب نقص المياه، يواصل النظام إنفاق مليارات الجنيهات على مشروعات استعراضية لا علاقة لها بالأمن القومي أو المائي، بينما يكتفي السيسي بإطلاق الشعارات عن “التعاون الدولي” و“الإيمان بالحوار”، بعد أن خسر المعركة الدبلوماسية والعسكرية معاً.
ويرى مراقبون أن مشهد السيسي وهو يتحدث عن "الصمود أمام التغيرات المناخية" يعكس مفارقة مؤلمة: فالرجل الذي يرفع شعارات الحفاظ على المياه هو نفسه الذي فرّط في شريان حياة مصر، تاركاً النيل رهينة لإرادة إثيوبيا، فيما تحوّل الجيش الذي كان يُفترض أن يحمي الأمن القومي إلى إمبراطورية اقتصادية تبيع كل شيء من المكرونة إلى الإسمنت. وهكذا، بعد عقد كامل من “الحكمة الزائدة” و“الصبر الإستراتيجي”، يبقى السؤال الذي يطرحه المصريون بمرارة: أين ذهب جيش مسافة السكة؟ وأين ذهبت هيبة الدولة التي كان النيل عنوانها؟ الجواب يختصره الواقع: الجيش صار بزنس، والنيل صار إثيوبياً.