في خطوة بدت مفاجئة، أفرجت السلطات الانقلابية المصرية، الاثنين الماضي، عن ثلاثة نشطاء من المشاركين في “أسطول الصمود المصري” بعد احتجاز دام أكثر من أسبوعين، على خلفية محاولتهم تنظيم قافلة مساعدات لغزة من مقر الحملة في حي الدقي.
ورغم أن الواقعة تبدو إنسانية في ظاهرها، فإن توقيت الإفراج يثير تساؤلات سياسية عميقة: لماذا الآن؟ ولماذا النظام الذي حظر المظاهرات واعتقل حتى المتعاطفين مع غزة، قرر فجأة التراجع خطوة إلى الوراء؟ فمنذ بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع، شددت الأجهزة الأمنية قبضتها على أي تحرك شعبي في مصر، حتى ولو كان تضامنيًا مع الفلسطينيين.
فالقاهرة التي كانت يومًا مركزًا عربيًا للمظاهرات والفعاليات المؤيدة لفلسطين، تحولت في عهد النظام الحالي إلى منطقة “محرّمة” على أي تعبير جماعي خارج الإطار الرسمي.
الاعتقالات التي طالت النشطاء الثلاثة، بينهم اثنان من أعضاء اللجنة التحضيرية للأسطول، جاءت في 30 سبتمبر الماضي، وسط انتشار أمني مكثف حول مقر الحملة في شارع الموسيقار علي إسماعيل بالدقي.
وظل مكان احتجازهم مجهولًا لعدة أيام، ما أثار قلق المنظمات الحقوقية والنشطاء، ودفع اللجنة المشرفة على الحملة إلى إعلان “حالة انعقاد دائم” والبحث عن قنوات ضغط للإفراج عنهم.
لكن ما الذي تغيّر الآن؟ يبدو أن الإفراج عن المتضامنين جاء في سياق محاولات النظام لتخفيف حدة الانتقادات المتزايدة الموجهة إليه، داخليًا وخارجيًا، بسبب قمعه لأنشطة التضامن مع غزة في وقتٍ تتسابق فيه الشعوب حول العالم لدعم الفلسطينيين.
فبينما سمحت دول غربية بمسيرات ضخمة وأعلنت حكوماتها تأييد إرسال مساعدات، كانت مصر – التي تتشارك حدودًا مع غزة – تمنع أي تجمع شعبي، بل وتلاحق حتى من يحاول إرسال شحنة دواء أو مواد غذائية من مبادرات مدنية.
الإفراج عن النشطاء، إذًا، لا يبدو “انفراجة” بقدر ما هو محاولة لامتصاص الغضب الشعبي الذي بدأ يتصاعد حتى داخل الدوائر المؤيدة للنظام، خاصة مع انتشار صور المتضامنين المعتقلين على وسائل التواصل الاجتماعي، وتزايد الانتقادات من شخصيات عامة محسوبة سابقًا على الدولة.
في المقابل، ما زالت الأنشطة الشعبية تواجه تضييقًا أمنيًا ملحوظًا، رغم توافد متطوعين ومساعدات من محافظات عدة كالإسكندرية والدقهلية إلى مقر الحملة، في محاولات متواصلة لكسر الحصار عن غزة.
وتؤكد هذه المشاهد أن المزاج الشعبي المصري ما زال منحازًا لقضية فلسطين، حتى وإن حاول النظام قمعه أو توجيهه، بينما تكشف التراجعات الجزئية – مثل الإفراج الأخير – عن مأزق حقيقي تعيشه السلطة بين رغبتها في السيطرة المطلقة، وضغط الشارع الغاضب من تواطؤها وصمتها الطويل. باختصار، الإفراج عن النشطاء ليس بادرة إنسانية، بل مؤشر على أن النظام بدأ يدرك أن سياسة “المنع الكامل” لم تعد قابلة للاستمرار، خاصة في ظل حرب تفضح مواقفه المتناقضة بين التصريحات الرسمية والتصرفات على الأرض.