بعدالفيضانات وتفاقم التوتر.. اتفاق “الرشوة” يعيد أزمة سد النهضة إلى الواجهة

- ‎فيتقارير

 

تجددت أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا على وقع موجة الفيضانات العارمة التي اجتاحت السودان، وامتدت آثارها إلى الأراضي المصرية، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بشأن مسؤولية السد عن اضطراب تدفقات مياه النيل، في وقت يرى فيه خبراء أن النظام المصري فقد كل أدواته التفاوضية منذ اللحظة التي وقّع فيها المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي على اتفاق المبادئ في 2015، الذي منح إثيوبيا الغطاء القانوني والسياسي لاستكمال بناء السد.

 

ويرى مراقبون أن هذا الاتفاق لم يكن سوى رشوة سياسية فجة، سعى من خلالها السيسي لاسترضاء أديس أبابا وضمان دعمها لتحركاته بعد انقلاب يوليو 2013، تمهيدًا لعودة نظامه إلى الاتحاد الإفريقي الذي جمد عضوية مصر احتجاجًا على الإطاحة بالرئيس الشرعي المنتخب الشهيد محمد مرسي.

 

ومنذ ذلك التوقيع، تحوّل الموقف المصري إلى مجرد ردود فعل عاجزة، حيث اكتفى السيسي بالتصريحات المتكررة عن "الحقوق التاريخية" في مياه النيل، بينما استمرت إثيوبيا في فرض سياسة الأمر الواقع من خلال عمليات الملء والتشغيل الأحادية للسد دون اتفاق ملزم، ما أدى إلى تصاعد الأضرار في السودان ومصر على حد سواء.

 

وخلال الأسابيع الأخيرة، أثارت الفيضانات التي غمرت مناطق مصرية ريفية حالة من الغضب الشعبي بعد أن غرقت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في منطقة طرح النهر، وسط اتهامات للحكومة بالتقصير والتغطية على الآثار الكارثية لسد النهضة الذي غيّر مسار تدفقات المياه بشكل غير منضبط.

 

في المقابل، ردت أديس أبابا على الاتهامات المصرية بنبرة متعالية، مؤكدة أن لها "الحق السيادي في إدارة مواردها المائية"، وأنها "أدارت السد بشفافية"، متجاهلة أي التزامات قانونية أو فنية تجاه دولتي المصب.

 

ورغم تحذيرات خبراء ودبلوماسيين مصريين سابقين من خطورة استمرار النهج الإثيوبي، فإن النظام المصري بدا خالي الوفاض، بعد أن فرّط طوعًا في أوراق القوة التي امتلكتها مصر لعقود، وقيّد نفسه باتفاق المبادئ الذي وصفه خبراء القانون الدولي بأنه "اعتراف رسمي بحق إثيوبيا في بناء السد دون قيد أو شرط".

 

وقالت السفيرة السابقة منى عمر إن انعدام الثقة بين القاهرة وأديس أبابا بات شبه مطلق، مؤكدة أن أي مبادرة جديدة ستفشل في غياب إرادة إثيوبية للوصول إلى اتفاق قانوني ملزم. لكنها تجاهلت في الوقت نفسه مسؤولية النظام المصري عن إضعاف موقف بلاده التفاوضي، بعدما أضفى شرعية كاملة على المشروع الإثيوبي بتوقيعه غير المدروس.

 

ويرى محللون أن حديث السيسي عن “كل الخيارات مفتوحة” لا يتعدى كونه استعراضًا لفظيًا للاستهلاك المحلي، فالقاهرة اليوم لا تمتلك أي وسيلة ضغط حقيقية بعد أن تحولت المفاوضات إلى مسرحية مكررة بلا نهاية، في ظل رضوخ مصري واضح لإملاءات واشنطن والاتحاد الإفريقي.

 

وبينما تواصل إثيوبيا سياسة الملء والتشغيل المنفرد، تعيش مصر نتائج سياسة التنازلات المتكررة: من اتفاق المبادئ، إلى صمت النظام على بيع الغاز، وتفريطه في تيران وصنافير، وحتى تركه مياه النيل رهينة لدى أديس أبابا.

 

وهكذا تتجدد أزمة سد النهضة لتذكّر المصريين أن جريمة التفريط لم تبدأ اليوم، بل حين قرر السيسي مقايضة أمن مصر المائي بشرعية زائفة على مقعد الاتحاد الإفريقي.