بطل ” نفق الحرية” الذي هزّ أسطورة السجن الصهيوني: تعلمنا من “السنوار” أن الحرية وعد الله المفعول

- ‎فيعربي ودولي

 

يُعدّ الأسير المحرّر محمود العارضة أحد أبرز رموز الحركة الأسيرة الفلسطينية، بعدما قاد العملية الأسطورية للهروب من سجن جلبوع الإسرائيلي في السادس من سبتمبر/أيلول 2021، والتي سُمّيت إعلامياً بـ "نفق الحرية". كانت العملية أشبه بملحمة بطولية كسرت هيبة السجان، ورسّخت في الوعي الفلسطيني أن الإرادة أقوى من الجدران.

العارضة، ابن بلدة عرّابة في جنين، بات رمزاً للتحدي والمقاومة، وقائداً لتلك المغامرة التي دوّنت اسمه في سجل الأبطال.

 

إيمان لا يتزعزع: “كنت أعلم أنني سأتَحرّر”

 

في حديثه لوسائل الإعلام، يؤكد العارضة أنّ إيمانه بالحرية لم يفارقه يوماً، رغم أحكام المؤبد المتكررة وإعادة اعتقاله بعد محاولة الهروب. يقول:

 

"كنت على يقين تام بأنني سأتحرر، وكان مصدر هذا اليقين كلمات القائد أبو عبيدة، الذي تعهّد باسم كتائب القسام بإطلاق سراحنا. حين سمعته، أيقنت أنه وعد صادق، ووعد الله مفعول".

 

لكن العارضة لا ينسب يقينه بالتحرر فقط إلى الوعود العسكرية، بل إلى الإرث المعنوي الذي تركه القائد الشهيد يحيى السنوار داخل السجون. فذلك الرجل – كما يقول – "لم يكن قائدًا عاديًا، بل كان نموذجًا يُحتذى في الصبر والإرادة والوفاء".

 

السنوار خلف القضبان: مدرسة في القيادة والتحدي

 

يستعيد العارضة ذكرياته مع القائد السنوار، الذي عاش معه سنوات طويلة في الأسر، فيقول:

 

"كنت مقرّباً منه وعشت معه في سجن هداريم ثم إيشيل ببئر السبع. كان رجلاً عنيداً، إذا قال فعل، لا يعرف التراجع أو المساومة. قاد كل الإضرابات وانتزع حقوق الأسرى بصلابة نادرة. كانت إدارات السجون تخشاه وتحسب له ألف حساب".

 

ويصف العارضة السنوار بأنه "القائد الأسطوري الذي لا شبيه له في تاريخ النضال الفلسطيني"، مضيفًا:

 

"كما كان الشيخ خضر عدنان أسطورة الإضراب عن الطعام، كان يحيى السنوار أسطورة المقاومة بالفعل، لا بالقول. علّمنا أن النصر يبدأ من الوعي، وأن الحرية قرار يتخذ قبل أن تتحقق".

 

من غزّة جاءت البشارة والوفاء

 

بعد إعادة اعتقاله عقب عملية "نفق الحرية"، فوجئ العارضة بتغير في سلوك ضباط الاحتلال أثناء التحقيق. يقول:

 

"عاملوني بلطف غير معهود، فاستغربت الأمر، حتى اكتشفت أن السبب هو الخوف من غضبة غزة. كبار ضباط الشاباك أكدوا لنا أنهم يتابعون باهتمام ما يجري معنا لأن فصائل المقاومة وضعتنا على رأس أولوياتها. أدركت وقتها أن غزة لم تتركنا وحدنا، وأنها السند الحقيقي لكل أسير".

 

ويتابع:

 

"حين يُطلب مني أن أوجه رسالة إلى غزة، أعجز عن التعبير. ما قدمته غزة للمقاومة ولنا نحن الأسرى يفوق الوصف، هي منبع الكرامة والحرية".

 

مرحلتان من الصمود: قبل الطوفان وبعده

 

قضى العارضة نحو ثلاثة عقود في الأسر متنقلاً بين السجون الإسرائيلية، وعايش رموز الحركة الوطنية. ويرى أن ما بعد عملية "طوفان الأقصى" يشكّل مرحلة جديدة من المواجهة:

 

"قبل الطوفان كنا نتعايش مع واقع الأسر، أما بعده فقد تغيّر كل شيء. الاحتلال صار أكثر وحشية، لكن الأسرى أكثر ثباتًا. لقد فجّر الطوفان روح التحدي في كل زنزانة".

 

وعد الحرية الذي أوفى به السنوار

 

اليوم، وبعد مرور عام على استشهاد القائد يحيى السنوار، يثبت حديث محمود العارضة أن إرث السنوار لا يزال حيّاً في وجدان الأسرى. فذلك القائد الذي وعد بالتحرير، أوفى بوعده، وترك خلفه جيلًا مؤمنًا بأنّ الحرية ليست احتمالًا، بل قدرٌ لا مفرّ منه.

يقول العارضة في ختام كلماته:

 

"كل ما فينا من ثبات، من وعي، من يقين بالنصر، هو من أثر هذا الرجل العظيم. يحيى السنوار ليس مجرد اسم… إنه مدرسة من نارٍ ونورٍ، علمتنا أن وعد الله مفعول".