كشفت حادثة قتل طفل الإسماعيلية التى هزت المجتمع المصرى عن انهيار المنظومة التعليمية والتربوية فى زمن الانقلاب .
واعتبر الخبراء هذه الجريمة مثالا صارخا على هذا الانهيار موضحين أن الطفل القاتل اعترف بأنه استوحى طريقة قتل زميله من لعبة إلكترونية تحاكى العنف والدماء، حتى اختلط عليه الواقع بالخيال، وأثبتت التحقيقات أنه نفذ الجريمة بنفس تفاصيل المشهد الرقمى الذى شاهده داخل اللعبة، فى مشهد مأساوى يعكس غياب الرقابة الأسرية ويكشف كيف يمكن أن تتحول اللعبة إلى سلاح نفسى قاتل.
وحذروا من أن الألعاب لم تعد مجرد «بيكسلات ملونة» بل أنظمة ذكية قائمة على التحفيز السلوكي تعيد تشكيل إدراك الطفل من خلال المكافآت على القتل أو تنفيذ المهام العنيفة، ما يربط فى ذهنه بين العنف والنجاح، مؤكدين أنه مع غياب التوجيه الأسرى والتربوى، تتحول هذه المحاكاة الافتراضية إلى سلوك حقيقى يتجسد فى الواقع.
وقال الخبراء ان ما حدث فى الإسماعيلية ليس جريمة طفل ضد طفل، بل جريمة منصات رقمية ضد البراءة. مشددين على أن الألعاب الحديثة تحولت إلى «مدارس سلوك» خطيرة، تزرع العنف فى عقول الصغار، بينما تغيب الأسرة عن دورها فى الحماية والتوجيه.
أخطاء تربوية
فى هذا السياق قالت داليا الحزاوى، مؤسسة ائتلاف أولياء أمور مصر، إن جريمة الإسماعيلية التى ارتكبها طفل فى الثالثة عشرة من عمره ليست حادثة عابرة، بل نتيجة تراكم أخطاء تربوية وفقدان الرقابة الأسرية على المحتوى محملة مؤسسات التعليم فى زمن الانقلاب مسئولية هذه الجرائم لعدم قيامها بدورها.
وأشارت داليا الحزاوى فى تصريحات صحفية إلى أن تصوير المجرم كبطل فى بعض الأعمال الفنية يجعل الأطفال يتقمصون هذا الدور، محذرة من أن الكثير من أفلام الكرتون الحديثة تتضمن عنفاً وسلوكيات شاذة تقدم بألوان جذابة لإغراء الصغار.
وأضافت أن الحل لا يكون فى المنع فقط، بل فى الرقابة المستمرة والتواصل الدائم، وتفعيل دور الأخصائيين الاجتماعيين داخل المدارس، وتنظيم ندوات توعوية للأهالى حول مخاطر الإنترنت وحروب الجيل الرابع والخامس .
منظومة القيم
وأكد الخبير التربوى مصطفى كامل أن أخطر ما فى هذه المرحلة هو أن الطفل يتلقى مفاهيمه الأخلاقية من الشاشات لا من الأسرة أو المدارس أو المساجد ودور العبادة .
وقال كاامل فى تصريحات صحفية : حين يقدم العنف أو المثلية فى الكرتون كأمر طبيعى، تتشوه منظومة القيم ويختلط الصواب بالخطأ فى وعيه.
لعبة «روبلوكس»
وأكد مستشار الأمن السيبرانى ومكافحة الجرائم الإلكترونية الدكتور محمد محسن رمضان أن الألعاب الإلكترونية لم تعد مجرد وسيلة للتسلية، بل أصبحت منظومات رقمية ضخمة تجمع بين الترفيه والتواصل والاقتصاد، وتشكل جزءاً من حياة ملايين الأطفال والمراهقين حول العالم، وتعد لعبة «روبلوكس» نموذجاً لذلك، إذ تجذب أكثر من 200 مليون مستخدم نشط شهرياً، غالبيتهم بين 8 و16 عاماً، موضحا أنه رغم شعبيتها الكبيرة، أثارت اللعبة جدلاً واسعاً بسبب ما تحمله من مخاطر على النشء، وهو ما دفع بعض الدول الخليجية، مثل الإمارات والسعودية وقطر، إلى حظرها أو تقييدها لحماية الأطفال من المحتوى غير المناسب والاستغلال الإلكترونى.
وقال «رمضان» فى تصريحات صحفية إن خطورة هذه الألعاب تتجلى فى عدة محاور أساسية، أبرزها المحتوى المفتوح الذى يسمح بإنشاء عوالم افتراضية خاصة قد تحتوى على مشاهد عنف أو إيحاءات غير مناسبة، إلى جانب إمكانية التواصل المباشر مع الغرباء، ما يفتح الباب أمام استدراج الأطفال نفسياً أو مالياً، كما أن استخدام العملة الرقمية داخل اللعبة يجعل الأطفال عرضة للنصب أو للإنفاق المفرط دون وعى، إضافة إلى التأثير النفسى الذى يسببه الإدمان والانغماس فى العالم الافتراضى، مؤدياً إلى العزلة والاكتئاب وضعف التحصيل الدراسى.
وشدد على أن المواجهة لا تكون بالحجب فقط، بل عبر استراتيجية وطنية شاملة تتضمن مراقبة وتقييم المحتوى الرقمى باستمرار، وسن تشريعات تلزم الشركات المطورة للألعاب بتوفير أدوات لحماية الأطفال، إلى جانب تعاون دولى لتقييد المحتوى العنيف، مع ضرورة الوعى المجتمعى والأسرى المستمر، لأنه لا توجد تقنية تعوض غياب الوعى الأسرى.
الدارك ويب
وأوضح «رمضان» أن بعض الألعاب ومقاطع الفيديو تتضمن تحديات خطيرة مثل «الحوت الأزرق» و«مومو تشالنج»، التى دفعت أطفالاً إلى إيذاء أنفسهم أو الانتحار، كما توجد غرف محادثة سرية تضم بالغين مجهولى الهوية يتلاعبون بعقول الأطفال، إضافة إلى خوارزميات توصية تقودهم تدريجياً إلى محتوى مظلم يروج للعنف أو الإيذاء .
وأشار إلى أن مصر شهدت حوادث مشابهة، مثل محاولة طفل الإسكندرية عام 2022 قتل زميله متأثراً بلعبة قتالية، والواقعة الأخيرة بالإسماعيلية عام 2025 التى نفذ فيها طفل جريمة مستوحاة بالكامل من لعبة على الإنترنت، هذه ليست مصادفات، بل دلائل على خلل تربوى وتقنى واجتماعى يهدد الأمن الأسرى والمجتمعى.
وحذر «رمضان» من أن بعض الجناة يستدرجون الأطفال إلى الدارك ويب من خلال التنكر كأصدقاء أو مراهقين، وبناء علاقة ثقة معهم، ثم يستخدمون الإغراء بالألعاب أو الجوائز الوهمية لإقناعهم بالدخول إلى مواقع خطيرة، وفى مراحل لاحقة، قد يتم ابتزاز الأطفال وتهديدهم بعد الحصول على صور أو معلومات شخصية، أو عبر إرسال روابط تحتوى على برامج خبيثة تمنح المجرمين إمكانية الوصول إلى أجهزتهم.
وأكد أن الكثير من الآباء يتركون أبناءهم أمام الشاشات دون متابعة حقيقية، غير مدركين أن الذكاء الاصطناعى داخل الألعاب قادر على تحليل شخصية الطفل والتأثير فى سلوكه وهذا أخطر ما نتركه لأطفالنا دون رقابة، موضحا أنه لحماية الأبناء، يجب على الأسرة مراقبة المحتوى الذى يشاهده الأطفال، وعدم الاكتفاء باسم اللعبة، استخدام أدوات الرقابة الأبوية لحجب المقاطع العنيفة، ومشاركة الأبناء اللعب أحياناً لفهم عالمهم الافتراضى، وتدريبهم على الوعى الرقمى والتفرقة بين الواقع والخيال، وتحديد أوقات اللعب، وعدم جعل الأجهزة وسيلة تهدئة مؤقتة، مع متابعة المؤثرين وصناع المحتوى الذين يتابعهم الأطفال.
واعتبر «رمضان» أن ما حدث فى الإسماعيلية ليس جريمة طفل ضد طفل، بل جريمة منصات رقمية ضد البراءة. فالألعاب الحديثة تحولت إلى «مدارس سلوك» خطيرة، تزرع العنف فى عقول الصغار، بينما تغيب الأسرة عن دورها فى الحماية والتوجيه.
فخ سلوكى
وقالت الاستشارى النفسى والتربوى الدكتورة وسام منير، ان ألعاب مثل روبلوكس أو الكرتون الذى يتضمن عنفاً أو شذوذاً قد يتحول إلى فخ سلوكى، يبدأ الطفل بالعزلة، تقلب المزاج، العصبية عند المنع، وإهمال الدراسة.
وأضافت وسام منير فى تصريحات صحفية أن السهر أمام الشاشات يسبب ضعف التركيز والذاكرة وتراجع التحصيل الدراسى، إلى جانب اضطرابات النوم وآلام العين والظهر.
وأوضحت أن الحل ليس فى المنع بل فى التنظيم والقدوة، عبر تحديد أوقات استخدام الأجهزة، وتقديم بدائل آمنة، ومشاركة الأهل فى النشاط الرقمى لأبنائهم.