خططَ ونفذَ غزو العراق وأفغانستان.. رحيل “ديك تشيني” أحد أكثر الإجراميين في التاريخ الحديث

- ‎فيعربي ودولي

يعتبر ديك تشيني الذي توفي الاثنين 3 نوفمبر من أبرز مهندسي الغزو عام 2003، ودافع عنه رغم الانتقادات الواسعة بشأن المعلومات الاستخباراتية الخاطئة، ودعم استخدام أساليب الاستجواب القاسية والمراقبة الموسعة بعد أحداث 11 سبتمبر فيما اصطلح على تسميته سياسات "الحرب على الإرهاب".

 

ويعد ديك تشيني من أكثر الشخصيات تأثيرًا في السياسة الأمريكية الحديثة، خاصة في مجالات الأمن القومي والسياسة الخارجية.

 

 ويُنظر إليه كرمز للقوة التنفيذية المتشددة، ومهندس لسياسات تركت أثرًا عميقًا في الشرق الأوسط والعالم ،والعقل المدبر والمسؤول الأكبر عن مقتل أكثر من نصف مليون عراقي أثناء اجتياح العراق وغيرها من القرارات الإجرامية الكثيرة المتعلقة بفلسطين.

 

الخبير العراقي لقاء مكي @liqaa_maki قال: "مات ديك تشيني اليوم بعدما عاش سنواته الماضية منعزلا مثل كثير غيره من السياسيين السابقين، وكان موته مجرد خبر ثانوي، عاش تشيني حتى رأى الأميركيين وهم يلعنون دوره في غزو العراق، يسترجعون في كل مناسبة قيادته لزمرة المحافظين الجدد في حملات التضليل والخداع لتبرير جريمة الغزو وما جرته على العراق وأميركا والمنطقة من ويلات لم تنته آثارها إلى اليوم، كان مهما ومنصفا أن يشهد تشيني خزيه قبل موته، وأن يجبر على العزلة بعيدا عن الناس، رغم أن ذلك لن يعيد أوطانا دمرت وأرواح زهقت.

معلومات عن ديك تشيني

 

وديك تشيني (Dick Cheney) كان أحد أبرز الشخصيات السياسية في الولايات المتحدة، شغل منصب نائب الرئيس في عهد جورج بوش الابن، ويُعرف بأنه مهندس غزو العراق وأحد أكثر نواب الرؤساء إثارة للجدل في التاريخ الأمريكي، توفي في نوفمبر 2025 عن عمر 84 عامًا، بسبب مضاعفات الالتهاب الرئوي وأمراض القلب.

وتولى نائب رئيس الولايات المتحدة بين 2001–2009   في عهد جورج بوش الابن، خلال هجمات 11 سبتمبر وغزو العراق ثم وزير الدفاع الأمريكي بين 1989–1993 في عهد جورج بوش الأب، خلال حرب الخليج الأولى، وهو عضو مجلس النواب عن وايومنج 1979–1989 قبل توليه المناصب التنفيذية العليا وعمل رئيسا لموظفي البيت الأبيض 1975–1977 في عهد الرئيس جيرالد فورد.

هو الأقوى في تاريخ الولايات المتحدة

وبطبيعة الحال تنظر له صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أنه "نائب الرئيس الأميركي الأقوى في تاريخ الولايات المتحدة، كما هو عنوان البروفايل الذي نشر عقب إعلان وفاته".

وعن شخصيته أشارت إلى أنها غامضة في كثير من الأحيان، وأنه لم يكن لديه صبر على الأحاديث الجانبية، ونادرًا ما تحدث عن نفسه، ونادرًا ما أجرى مقابلات أو عقد مؤتمرات صحفية، رغم ظهوره أحيانًا على التلفزيون للترويج لسياسات الإدارة، وتصدره الأخبار من حين لآخر، وقد كان يفضّل ما وراء الكواليس على الأضواء.

 

حرب الخليج

ومن بين هذه الميادين التي استعرض فيها قوته بحسب الصحيفة "ميدان الأمن القومي" وبصفته وزيرًا للدفاع، ساهم في هندسة حرب الخليج التي نجحت في طرد "الغزاة" العراقيين من الكويت عام 1991، ثم لعب دورًا قياديًا بعد عقد من الزمن في الرد على هجمات 11 سبتمبر 2001. بحسب الصحيفة..

ودعا إلى سياسات قوية تشمل المراقبة دون أوامر قضائية، والاحتجاز لأجل غير مسمى، وأساليب استجواب قاسية من أجل منع هجمات مستقبلية، كما ضغط من أجل غزو العراق لإسقاط صدام حسين عام 2003، لإنجاز ما اعتبره مهمة غير مكتملة منذ فترة توليه السابقة، لكن ذلك أدى إلى سنوات من الحرب الدموية.

 

ذكرى 11 سبتمبر

وأشارت إلى أنه في يوم 11 سبتمبر 2001، حين دمّرت الطائرات المخطوفة برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك واصطدمت بمبنى البنتاجون وتحطمت في حقل في بنسلفانيا، ومقتل نحو 3 آلاف شخص في أسوأ هجوم إرهابي في تاريخ البلاد، كان تشيني هو من تولّى زمام الأمور في البيت الأبيض.

 

أما بوش، الذي كان يزور مدرسة في فلوريدا أثناء وقوع الهجمات، فنُقل إلى مواقع آمنة في لويزيانا ثم نبراسكا، بينما فعّل نائب الرئيس إجراءات الدفاع في أنحاء البلاد، ووضع القوات الأميركية في حالة تأهّب حول العالم، وأمر بإخلاء مبنى الكابيتول ونقل كبار المسؤولين إلى أماكن آمنة.

 

وبقي تشيني على اتصال مستمر بالرئيس وبالقيادات الأخرى من داخل غرفة عمليات محصّنة في البيت الأبيض، وحافظ على ما وصفه كثيرون بـ “القبضة الثابتة على الدفّة” خلال الأزمة.

 

وأصبح تشيني في أعقاب الهجمات، مهندس التوسع السريع في صلاحيات الرئاسة لمحاربة الإرهاب، والمدافع بقوة عن مبدأ بوش الجديد الذي وجّه به رسالة إلى العالم: أن الدول والأنظمة في عصر الإرهاب الجديد، ستُقيَّم وفقًا لكونها مع الولايات المتحدة أو ضدها، وأن اتخاذ إجراءات عسكرية استباقية سيُعدّ خيارًا مشروعًا ضد أي تهديد لأمن البلاد.

 

قانون “باتريوت

وعن منهجه القمعي أشارت الصحيفة إلى أنه خلال 6 أسابيع بعد هجمات 11 سبتمبر، لعب تشيني دورًا محوريًا في تمرير قانون “باتريوت” (USA Patriot Act) بسرعة وبأغلبية كاسحة — وهو تشريع واسع النطاق وسّع بشكل كبير من صلاحيات الحكومة في التحقيق والمراقبة والاحتجاز لمكافحة الإرهاب.

 

وقد حذر المدافعون عن الحريات المدنية من ان القانون يمنح الحكومة سلطة مراقبة المواطنين العاديين، بالرغم من أن معارضة القانون كانت خافتة في بلد جريح ومصدوم من هجمات 11 سبتمبر.

 

واتضح لاحقًا أن القانون استُخدم لدعم محاكم سرية، والتنصت دون أوامر قضائية، واحتجاز المشتبه بهم إلى أجل غير مسمى دون توجيه تهم أو محاكمات، وأساليب استجواب تجاوزت حدود الحظر الوارد في اتفاقيات جنيف بشأن التعذيب.

 

غزو أفغانستان

وأشارت الصحيفة إلى دوره في قرار بوش غزو أفغانستان لملاحقة أسامة بن لادن، زعيم القاعدة الذي خطط لهجمات 11 سبتمبر، ولإسقاط نظام طالبان المتشدد الذي وفّر ملاذًا للإرهابيين وفرض حكمًا دينيًا متطرفًا على الشعب الأفغاني.

ونبهت أن "تشيني" كان الصوت الطاغي خلف قرار بوش غزو العراق عام 2003 ثم تبرير تلك الحرب، فقد أصرّ على أن الرئيس العراقي صدام حسين يمتلك روابط مع إرهابيي القاعدة، وأنه يملك أسلحة دمار شامل، وأنه سيهدّد الولايات المتحدة وحلفاءها بالابتزاز النووي.

 

وتحولت العملية العسكرية التي كان من المفترض ان تستمر شهرا واحدًا إلى احتلال دام نحو تسع سنوات، وصراع ضد تمرد عراقي وحرب أهلية داخلية أودت بحياة ما يقرب من 4,500 جندي أمريكي، وتجاوزت تكلفتها تريليوني دولار وفق بعض التقديرات.

 

وبدأت ملامح فشل استخباراتي ضخم بالظهور، إذ خلصت لجنة التحقيق في أحداث 11 سبتمبر، وهي لجنة مستقلة مُنحت مهمة التحقيق في هجمات عام 2001، إلى عدم وجود أدلة على تعاون بين العراق والقاعدة، كما خلص كبير مفتشي الأسلحة في وكالة الاستخبارات المركزية — وهو مُعيّن من البيت الأبيض — إلى أن العراق لم يكن يمتلك مخزونات من الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية أو النووية.

 

لكن هذه النتائج صدرت بينما كان بوش وتشيني يخوضان حملة إعادة الانتخاب عام 2004، ولم يعترف المرشحان بأي خطأ، وقال تشيني: "التأجيل أو الانتظار لم يكن خيارًا، والرئيس فعل تمامًا ما ينبغي فعله".

 

غزو العراق

وفي مطلع عام 2007، وبدعم من تشيني، أرسل بوش عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين إلى العراق، معزّزًا القوات التي كان عدديها يبلغ 132 ألف جندي، في ما عُرف بـ“الزيادة العسكرية” لدعم الحكومة في كبح العنف في بغداد، وصوّت مجلس النواب على قرار غير ملزم ضد الخطة، وردّ تشيني قائلًا: "هذا لن يوقفنا".

 

وبدا أن شيئًا لن يوقفهما، فبعد سنوات من سفك الدماء والعنف الطائفي الذي دفع العراق إلى حافة حرب أهلية، رفض تشيني الادعاءات بأن البلاد تنهار، وقال: "الواقع على الأرض هو أننا حققنا تقدمًا كبيرًا"، وجادل بأن الانسحاب قبل قدرة العراق على الدفاع عن نفسه سيؤدي إلى حمام دم بين الطائفتين السنية والشيعية.

 

بحلول ربيع عام 2008، ومع دخول الحرب عامها السادس وتجاوز عدد القتلى الأميركيين أربعة آلاف، أصبح واضحًا أن الصراع سيؤول إلى الرئيس القادم، وقال تشيني إن الحرب “استمرت أطول مما كنت أتوقع”، لكنه رأى أنها كانت “جديرة بالجهد المبذول”.

توابع الحملات

وعن فشل حملت تشيني بوش، في أفغانستان، عادت طالبان بقوة ليشكّل تهديدًا جديدًا، وأُعيد بناء شبكة بن لادن الإرهابية في المناطق القبلية بباكستان، وتوترت تحالفات الولايات المتحدة، وظلت الخلافات مع إيران وكوريا الشمالية وروسيا وغيرها من الخصوم المحتملين قائمة، أما الاقتصاد الأميركي والعالمي فكان في حالة انهيار عميقة، نتيجة — كما قال كثير من الخبراء — لسياسات جمهورية.

 

وقبل شهر من مغادرته منصبه، ظهر تشيني بنبرة غير معتذرة في مقابلات الوداع، مدافعًا عن استخدام السلطات التنفيذية الواسعة في إدارة الحرب، ومعاملة المشتبه بتورطهم في الإرهاب، والتنصت الداخلي، ومصرًّا على أن المؤرخين سينظرون في النهاية بإيجابية إلى جهود الإدارة في “حماية البلاد”.

 

سلّم تشيني — الذي أصيب في ظهره أثناء نقل صناديق وحضر حفل التنصيب على كرسي متحرك — منصبه في 20 يناير 2009، للسيناتور جوزيف بايدن من ديلاوير، وكان الاثنان يتبادلان الاتهامات العلنية لشهور، فقد وصف بايدن تشيني بأنه “على الأرجح أخطر نائب رئيس في تاريخ الولايات المتحدة”، وتعهد بـ“استعادة التوازن” لمنصب نائب الرئيس، وردّ تشيني قائلاً: “إذا كان يريد تقليص سلطة نائب الرئيس، فهذا قراره بالطبع".

 

ومع تولي أوباما، كسر تشيني تقليدًا طويلًا يقتضي أن يصبح المسؤول غير ظاهر بعد مغادرته السلطة، واتهم الرئيس الجديد بتعريض البلاد للخطر بسبب خطط إغلاق معتقل غوانتانامو في كوبا، وتعليق المحاكمات العسكرية للمشتبه بهم في الإرهاب، ومنع أساليب الاستجواب مثل الإيهام بالغرق.

 

وعبّر كتابه "في وقتي: مذكرات شخصية وسياسية" (2011، بالاشتراك مع ليز تشيني) عن ندم محدود تجاه أكثر القرارات إثارة للجدل في عهد بوش، فبينما دافع عن تلك القرارات، تجنب الكتاب — كما قال بعض النقاد — الخوض في كثير من الأسئلة الجوهرية المتعلقة بالجدل حولها.

وعندما اتهمت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ وكالة الـCIA بتعذيب مشتبه بهم أثناء سنوات بوش، هبّ تشيني للدفاع عن الوكالة، مؤكدًا أن تلك الاستجوابات كانت “مصرحًا بها قانونيًا” و “مبررة تمامًا”، ودافع بشدة ضد الاتهامات بأن الوكالة ضللت البيت الأبيض أو بالغت في قيمة المعلومات التي حصلت عليها.

وفتحَت وزارة العدل تحقيقًا فيما سمّته تسريبًا لمعلومات سرّية، بعد أن كشفت صحيفة نيويورك تايمز في ديسمبر 2005 أنّ الرئيس بوش سمح لسنوات لوكالة الأمن القومي بالتنصّت على مواطنين أمريكيين وغيرهم داخل الولايات المتحدة من دون أوامر قضائية، وقال السيد تشيني إنّ الصحيفة عرّضت الأمن القومي للخطر.

 

ودافع تشيني في الكونجرس، عن برنامج التجسّس الداخلي ضد الاتهامات التي قالت إنّه قد يكون غير دستوري وينتهك قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية الصادر عام 1978، وهو القانون الذي ينظّم عمليات جمع المعلومات داخل الولايات المتحدة، وأكد تشيني أنّ البرنامج لم يكن قانونيًا فحسب، بل كان فعّالًا أيضًا، مشيرًا إلى عدم وقوع أي هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة منذ عام 2001.