“الجمود القضائي ” ..السيسي يحكم بالاعتقال و 850 يوماً دون إفراج واحد عن معتقل سياسي

- ‎فيتقارير

 

في مشهد يلخص انهيار العدالة في عهد  المنقلب السفاح عبد الفتاح السيسي، كشفت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان عن حالة من الجمود القضائي الكامل داخل محكمة جنايات القاهرة، التي لم تصدر قرارًا واحدًا بإخلاء سبيل أي معتقل منذ أكثر من 850 يومًا، في سابقة تؤكد أن القضاء المصري بات رهينة بيد الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها جهاز الأمن الوطني.

 

ووفقًا لتقرير الشبكة المعنون بـ "لم يُخلَ سبيل أحد"، فإن هذا التوقف التام عن الإفراجات لم يعد مجرد خلل قانوني، بل أصبح دليلاً على أن السلطة القضائية فقدت استقلالها تماماً أمام سطوة الأجهزة الأمنية. فقد باتت قرارات الحبس والتجديد تصدر بأوامر غير معلنة من المخابرات والأمن الوطني، فيما يقتصر دور القضاة على التوقيع دون مراجعة أو تقدير قانوني.

 

أحد القضاة قال لمحامٍ دفاعاً عن نفسه: "ما تحرجوناش… الموضوع مش عندنا".

جملة تختصر مأساة العدالة في مصر.

 

ويضيف التقرير أن آخر قرار بالإفراج عن معتقل سياسي صدر في يوليو/تموز 2023، حين أفرجت المحكمة عن شخصين فقط على ذمة قضية أمن دولة، ومنذ ذلك التاريخ لم يُفرج عن أي محتجز سياسي، لتصل فترة الجمود إلى ما يزيد على عامين ونصف دون قرار واحد بالإخلاء.

 

المحامون الذين تابعوا جلسات تجديد الحبس أكدوا بدورهم أن القرارات محسومة مسبقاً، وأن حضور الجلسات أصبح مجرد طقس شكلي لا قيمة له، حيث تتكرر العبارات ذاتها على ألسنة القضاة: "معلش، مش بإيدينا".

 

الاعتقال في عهد السيسي: سجون تمتلئ بالآلاف

 

بحسب تقديرات منظمات حقوقية دولية ومحلية، تجاوز عدد المعتقلين السياسيين في مصر تسعين ألف سجين منذ تولي السيسي الحكم عقب انقلابه العسكري في يوليو 2013 على أول رئيس مدني منتخب، الدكتور محمد مرسي.

الاعتقالات شملت صحافيين، وطلاباً، وأساتذة جامعات، ونشطاء، وأطباء، وحتى فنانين، في إطار سياسة ممنهجة لإسكات أي صوت حر أو رأي مخالف.

 

في المقابل، لم يتجاوز عدد المعتقلين السياسيين في عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي، وفق تقارير المنظمات الحقوقية نفسها، بضع مئات فقط ممن تم توقيفهم خلال فترات الاضطرابات الأمنية التي أعقبت الثورة، كما أن أغلبهم أُفرج عنهم لاحقًا بقرارات قضائية.

ففي حين كان مرسي يُتهم بـ"التساهل مع معارضيه"، جاء السيسي ليحوّل مصر إلى سجن مفتوح، لا يُفرج فيه عن أحد إلا بقرار من الأجهزة الأمنية، لا من القضاء.

 

القانون غائب.. والقضاة رهائن الأمن

 

التقرير أشار إلى أن المادة 166 من قانون الإجراءات الجنائية تمنح القاضي سلطة كاملة للإفراج عن المحتجزين متى توافرت الأسباب القانونية أو الإنسانية، لكن ما يجري فعلياً أن الأجهزة الأمنية تفرض إرادتها على القضاة، وتحظر عملياً إصدار أي قرار يخفف القيود عن المعارضين.

وتساءلت الشبكة الحقوقية في تقريرها:

 

"هل يُعقل أنه خلال 850 يوماً لم يوجد شخص واحد يستحق الإفراج؟ أم أن القرار في يد جهة سيادية تتحكم في القضاء وتمنعه من ممارسة سلطاته؟"

 

ما يصفه التقرير بـ"الموت البطيء للقانون"، هو ذاته ما تصفه منظمات دولية بأنه تحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة بحد ذاته، تُستخدم ضد الصحفيين والنشطاء بدل أن تكون إجراءً استثنائياً كما ينص عليه الدستور.

 

مصر بين عهدين: العدالة في قبضة السلطة

 

المفارقة أن مصر في عهد مرسي شهدت أول انتخابات حرة واستقلالاً جزئياً للقضاء، سمح للمواطنين بالطعن في قرارات الدولة، فيما أصبح القضاء في عهد السيسي ذراعاً تنفيذية للسلطة العسكرية، تُستخدم لإضفاء شرعية شكلية على الانتهاكات.

 

فبينما كان مرسي يُنتقد بسبب حرصه الزائد على "عدم التدخل في القضاء"، تحوّل القضاء في عهد السيسي إلى أداة قمع ممنهجة، تشارك في تكريس حكم الفرد عبر تمديد الحبس الاحتياطي لسنوات بلا محاكمة، ومنع أي صوت من أن يرى النور خارج الزنازين.

 

الجمود القضائي

ما كشفه التقرير الحقوقي ليس مجرد إحصاء لأيام الجمود القضائي، بل شهادة دامغة على أن مصر في عهد السيسي تعيش خارج القانون.

فمنذ أكثر من 850 يوماً، لم يُفرج عن معتقل واحد، في بلدٍ يرفع فيه النظام شعار "القانون فوق الجميع" بينما القانون نفسه صار أسيراً بيد من يعتقل كل رأي حر ويكمم كل صوت معارض.