السيسي وقتل القانون”: تفشي الإهمال الطبي والوفيات وسط سجون مكتظة ونظام عدالة منعدِم​​​​​​​

- ‎فيتقارير

 

منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي، تشهد السجون المصرية تفاقمًا مريعًا في الانتهاكات ضد المعتقلين السياسيين، حيث بات إهمال الدولة الصحي داخل مراكز الاحتجاز سياسة ممنهجة، تُستخدم كأداة للقمع بدلاً من تطبيق العدالة. هذا التصاعد في الوفيات داخل السجون يكشف الوجه القاتم لنظام يرفض أي محاسبة أو شفافية.

 

ترتفع الأصوات الحقوقية في مصر مجددًا، متضامنة مع الغضب الشعبي، بعد سلسلة من حالات الوفاة التي وثقتها منظمات حقوق الإنسان خلال الأسابيع الماضية. تُحمّل هذه المنظمات السلطة مسؤولية ما تصفه بـ “جريمة مكتملة الأركان”: تكدّس السجناء، غياب الرقابة، وتأخر أو رفض التداوي.

 

من بين هذه الحالات، أعلن مركز الشهاب لحقوق الإنسان وفاة محمد جمعة، المحكوم بالإعدام في قضية “قسم العريش”، داخل مجمع سجون وادي النطرون، بعد نحو 13 عامًا من الاحتجاز. وفق المركز، عانى جمعة من آلام صدرية وخضع لإهمال طبي شديد، في حين لم تمنح له الرعاية الكافية – ما يثير شبهات بأن الإهمال كان العامل المباشر في موته.

 

أما الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، فقد رصدت أن سجن المنيا تحول إلى “كابوس يومي” للمرضى من المعتقلين السياسيين، بعدما تم تقييد حقهم في العلاج بسبب قرارات أمنية قمعية. في شهر واحد فقط، وثّقت الشبكة وفاة ثلاثة محتجزين سياسيين مُنعوا من الوصول إلى الأدوية والرعاية الملائمة، مما يعكس انتهاكًا صارخًا لحقهم في الحياة.

 

وبالانتقال إلى أقسام الشرطة، ترصد المنظمات وفاة أحمد مصطفى الملقب “أحمد جزيرة” (35 عامًا) بعد ثلاثة أسابيع من احتجازه في قسم إمبابة. شهادات منظمات حقوقية، بما فيها مركز الشهاب والشبكة المصرية، تشير إلى أن الحالة الصحية له تدهورت بعد تكدّس المحتجزين في غرفة لا يتجاوز نصيب كل شخص فيها 35 سمًا من المساحة، إضافة إلى حرمان من الطعام والزيارات. وقد وُجّهت اتهامات لإدارة القسم بأنها ضغوطت عائلة الضحية على توقيع تقرير يفيد بأن سبب الوفاة “هبوط حاد في الدورة الدموية” قبل تسليم الجثمان.

 

تحوي التقارير أيضًا حادثة وفاة أحمد محمود محمد سعيد داخل سجن “10 ونص”، بعد سنوات من الاحتجاز التعسفي. وثّقت المنظمات أنه كان مصابًا بسرطان الغدة في مرحلة متقدمة، لكن إدارة السجن رفضت نقله بانتظام للعلاج الكيماوي، واكتفت بإجراءات شكلية قبل إعادة سجنه، رغم المخاطر الصحية. هذا الصمت القاتل يعكس سياسة النظام الرافض للإفراج الصحي حتى في الحالات التي يُمكن فيها إنقاذ حياة المحتجز.

 

كما وثّقت منظمات وفاة حمدي محمد محمد (63 عامًا) في سجن ليمان المنيا، بعد تدهور حالته الصحية وعدم توفر الرعاية الصحية الضرورية، رغم حاجته لمتابعة طبية مستمرة بعد عملية قلب مفتوح أجراها قبل الحبس.

 

هذه الوفاة المتكرّرة في سجون متعددة ليست مجرد حوادث عشوائية، بل نمط ممنهج: تكدّس، غياب التهوية، تأخر النقل إلى المستشفيات، ضغوط على العائلات، وغياب رقابة فعالة.

 

منظمات حقوقية تطالب بفتح تحقيقات مستقلة وشفافة، ومحاسبة المسؤولين، وتفعيل الإفراج الصحي عن المرضى وكبار السن، من دون سياسة “التدوير” التي تُجدد الحبس تلقائيًا حتى لمن هم في حالات حرجة.

 

الإحصاءات الأحدث للمعتقلين والوفيات

 

تقرير حديث لمنظمة صحفيات بلا قيود (WJWC) يُظهر أن عدد المعتقلين السياسيين في مصر يبلغ أكثر من 60,000 بينهم نساء وأطفال وصحفيون ومدافعون عن حقوق الإنسان.

Women Journalists Without Chains

+1

 

حسب نفس التقرير، فقد لقي ما لا يقل عن 1,160 محتجزًا حتفهم خلال العقد الأخير داخل السجون، و74٪ من تلك الحالات تُرجع إلى “إهمال طبي متعمد”.

Women Journalists Without Chains

+1

 

في بيان صحفي صادر في ديسمبر 2024، رصدت منظمة صحفيات بلا قيود وفاة 50 محتجزًا سياسيًا خلال عام 2024 نتيجة الإهمال الطبي وظروف الاحتجاز غير الإنسانية.

Women Journalists Without Chains

 

هناك تقارير حقوقية تُشير إلى “تصاعد خطير” لأعداد الوفيات داخل مراكز الاحتجاز، مع اتهامات مباشرة بغياب الرقابة والاكتظاظ وامتناع الدولة عن توفير الرعاية الصحية.

 

 

تحليل سياسي

 

رفض العدالة: من خلال سجن عشرات آلاف المعارضين دون محاكمات عادلة أو بتهم غامضة، يظهر النظام السيسي أنه يعتمد على الاعتقال كوسيلة قمع من دون محاكمة تُرضي أبسط معايير العدالة.

 

التعامل الممنهج مع المرضى: الإهمال الطبي لا يبدو مجرد تقصير، بل أداة للقمع — فحرمان السجناء من العلاج يقتلهم ببطء، ويُبعد عنهم أي أمل في الإفراج الصحي.

 

غياب الشفافية والمساءلة: رغم رصد المنظمات الحقوقية لحالات الوفاة والإهمال، لا توجد مؤشرات على تحقيقات فعالة من الدولة، مما يدل على تجاهل متعمد للمسؤولية.

 

ضغط سياسي داخل السجون: اكتظاظ الزنازين والتكدس الشديد في أقسام الشرطة لا يمكن تفسيره فقط بكثرة المعتقلين؛ بل كأداة عقابية لزيادة المعاناة وتقويض أي روح مقاومة.

 

المساءلة الدولية: هذه الأرقام يجب أن تُستخدم كرافعة لمزيد من الضغط الدولي، لأن ما يحدث ليس مجرد إخلال بحقوق الإنسان، بل جريمة سياسية تقع في قلب منظومة الدولة.