في خطوة تُظهر تفاقم اعتماد السلطة الانقلابية على الاقتراض كأداة وحيدة لإدارة الأزمة الاقتصادية المتصاعدة، تتجه وزارة المالية إلى إصدار الشريحة الثانية من الصكوك السيادية المحلية بقيمة 3 مليارات جنيه، مع خطة لزيادات أكبر في ديسمبر/كانون الأول المقبل، لتصل قيمة الإصدارات إلى 14 مليار جنيه خلال شهر واحد فقط.
هذا التوسع المتسارع يُعدّ – وفق محللين – مؤشراً واضحاً على فشل سياسات النظام الاقتصادي منذ انقلاب 2013، بعدما أُنهك الاقتصاد بالديون وفقدت الحكومة القدرة على تمويل احتياجاتها عبر موارد إنتاجية حقيقية.
ديون تتضخم وبرنامج صكوك يصل إلى 200 مليار جنيه
تخطط الحكومة لتنفيذ ثلاثة إصدارات صكوك إضافية في ديسمبر، جميعها من نوع صكوك الإجارة ومدعومة بأصول حكومية، أبرزها أرض رأس شقير. وتشير البيانات الرسمية إلى أن حجم برنامج الصكوك قد يقفز إلى 200 مليار جنيه بحلول منتصف 2026، بينما تتجه الوزارة لطرح إصدار أسبوعي بدءاً من يناير المقبل، في محاولة للسيطرة على كلفة خدمة الدين.
وبينما تقول الحكومة إن الصكوك تُموَّل بفوائد أقل من أدوات الدين التقليدية بنحو 7%، يرى اقتصاديون أن المشكلة ليست في أداة الاقتراض، بل في الإدمان المزمن على الاقتراض لسد عجز متضخم لا يتراجع، وغياب إصلاحات اقتصادية حقيقية تعزز الإنتاج وتزيد الإيرادات المستدامة.
خبراء: إقبال البنوك لا يعني نجاح السياسة… بل يعكس اختناق السوق
رغم الحديث الرسمي عن “طلب قوي” من البنوك المحلية والدولية، يفسّر مراقبون هذا الإقبال بأنه نتيجة لغياب بدائل استثمارية آمنة داخل الاقتصاد المصري، وليس دليلاً على ثقة في السياسات المالية.
كما يشير اقتصاديون إلى أن استخدام أصول الدولة لدعم الصكوك يوسع من دائرة رهْن ممتلكات عمومية لضمان سداد الديون، وهو ما يعتبرونه اتجاهاً بالغ الخطورة على المدى الطويل.
اقتراض داخلي يلامس 5 تريليونات… وتجاوز المستهدف السنوي مبكراً
جمعت وزارة المالية نحو 5 تريليونات جنيه من إصدارات الديون المحلية خلال نصف عام فقط، وهو رقم يتجاوز مستهدف الاقتراض لكل العام المالي المذكور في الموازنة (3.2 تريليونات جنيه)، ما يعكس الفجوة المتزايدة بين تقديرات الحكومة وواقع الأزمة.
ورغم هذا التوسع، لا تزال أذون الخزانة تستحوذ على النصيب الأكبر من الدين المحلي بنحو تريليوني جنيه، ما يعني أن أدوات الاقتراض قصيرة الأجل – عالية التكلفة – ما زالت تمثل عبئاً ضخماً على الموازنة.
صندوق النقد: تحسّن محدود… ومواطن ضعف خطيرة
وفي ظل هذا الوضع، تستعد بعثة صندوق النقد لإنهاء مراجعاتها الخامسة والسادسة لبرنامج مصر. ورغم الإشارة الرسمية إلى تحسن في “النمو والانضباط المالي”، إلا أن المؤسسة الدولية أكدت استمرار نقاط ضعف هيكلية، أبرزها:
ارتفاع مستوى الدين لأرقام خطيرة
احتياجات تمويلية ضخمة تتجاوز قدرة الاقتصاد على توليدها
هيمنة قوية للدولة على السوق، ما يخنق الاستثمار الخاص
كما يشدد الصندوق على ضرورة تسريع برنامج الطروحات وتصفية الأصول الحكومية لتحسين السيولة—وهو ما يراه خبراء دليلاً إضافياً على عمق الورطة المالية.
اقتصاديون: الأزمة ليست في أدوات الدين… بل في الإدارة الاقتصادية برمتها
يرى محللون معارضون أن لجوء النظام إلى الصكوك ليس إلا حلقة جديدة في سلسلة محاولات الترقيع المالي دون معالجة جذور الأزمة، وهي:
غياب رؤية تنموية حقيقية
تضخم دور الجيش في الاقتصاد وإقصاء القطاع الخاص
مشروعات ضخمة غير إنتاجية التهمت عشرات المليارات
سوء أولويات الإنفاق العام
ويؤكد الخبراء أن استمرار هذه السياسات يجعل أي أدوات تمويل جديدة، بما فيها الصكوك، مجرد وسيلة لإطالة عمر الأزمة وليس لحلها.
مؤشرات خارجية لا تخفي حقيقة الداخل
ورغم زيادة احتياطي النقد الأجنبي إلى 50 مليار دولار، وارتفاع تحويلات العاملين بالخارج بنسبة 47%، يرى محللون أنها أرقام غير معبرة عن قوة الاقتصاد الحقيقي، بل ترتبط بتدفقات مؤقتة، بينما يظل الدين الخارجي عند مستوى 161.2 مليار دولار، وهو أعلى معدل في تاريخ البلاد.
إصدار الصكوك المحلية ليس مؤشراً على نجاح مالي
توسع الحكومة المصرية في إصدار الصكوك المحلية ليس مؤشراً على نجاح مالي، بل علامة على الاعتماد المتزايد على الاقتراض لتغطية عجز هيكلي تعجز السياسات الحالية عن إصلاحه.
ويرى الخبراء أن النظام، الذي استنزف مقدرات الدولة في مشروعات غير إنتاجية، يجد نفسه اليوم محاصراً بأزمة تمويلية حادة تدفعه نحو بيع الأصول، ورهن الأراضي، والاقتراض الداخلي والخارجي بلا سقف واضح—في ظل غياب رؤية اقتصادية قادرة على وقف النزيف.