مع استمرار سوء الأحوال الجوية، تحول النزوح في غزة إلى مأساة إنسانية مزدوجة، بين تهديدات البرد والفيضانات، وبين نقص الموارد الأساسية من مأوى وغذاء ومياه نظيفة، ما يجعل التدخل الدولي والإغاثة العاجلة أمرًا حتميًا لتخفيف المعاناة عن المدنيين.
ويزيد من معاناة سكان القطاع أنهم يعيشون في خيام باتت مهترئة بعد عامين من النزوح والحرب الصهيونية التي دمرت منازلهم وحتى مراكز الإيواء، ولم تبقَ لهم سوى تلك الخيام التي غرقت بما فيها من ملابس وأمتعة ومقتنيات، وجرفتها مياه الأمطار.
كانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) قد حذرت من أن الأمطار تزيد من صعوبة الأوضاع في قطاع غزة .
وقالت الأونروا فى بيان لها ان العائلات تلجأ إلى أي مكان متاح بما في ذلك الخيام المؤقتة، مشددةً على الحاجة الماسة إلى إمدادات المأوى في غزة .
وأشارت إلى أن هناك إمدادات متوفرة لديها مطالبة بالسماح لها بإدخالها وتقديمها للسكان.
وقال مكتب تنسيق الشئون الإنسانية في الأمم المتحدة (أوتشا) إنه منذ بدء وقف إطلاق النار في 11 أكتوبر الماضي، رفضت سلطات الاحتلال 23 طلباً من تسعة من الشركاء لإدخال نحو 4000 منصة نقّالة من الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الخيام، وأدوات العزل والتطهير، والفراش، وأدوات المطبخ، والبطانيات.
يشار إلى أن حرب الإبادة التى شنتها قوات الاحتلال الصهيونى تسببت في تدمير أكثر من 90 في المائة من المباني السكنية في قطاع غزة بشكل كلي أو جزئي، الأمر الذي فرض على نحو مليون ونصف المليون فلسطيني العيش في خيام لتقيهم من حر الصيف وبرد الشتاء، فيما يعيش بضع آلاف في منازل متضررة جزئياً غرقت هي الأخرى بفعل الأمطار، وسط مخاوف من انهيارها.
تدخل دولي عاجل
وأكد اتحاد بلديات قطاع غزة أن معاناة سكان القطاع تفاقمت بسبب المنخفض الجوي الآخير، ما جعل الأوضاع كارثية، مشيراً إلى أن شبكات تصريف الأمطار مدمَّرة في القطاع مما يتسبب في طفح المياه العادمة، فيما تنتشر النفايات في الشوارع بالقرب من الخيام وما تبقى من منازل ومراكز إيواء.
وطالب اتحاد البلديات في بيان له بتدخل دولي عاجل لمعالجة الوضع مشيرا إلى أن لديه مخططات واسعة للتعامل مع الظروف الجوية الصعبة والعمل على مساعدة السكان لتجاوز الظروف الحالية، لكنَّ نقص المعدات والاحتياجات اللازمة لذلك يمنع تنفيذ أي خطوة، الأمر الذي أسهم في تضرر آلاف الخيام وتبلل ملابس وأغطية النازحين في ظل انعدام أي مقومات للحياة في القطاع.
الدفاع المدني
وأكد جهاز الدفاع المدني في غزة أن طواقمه عجزت عن التعامل مع حالات الغرق لغياب المعدات بعد تدمير الاحتلال لها، مشيرا إلى أن الخدمات البلدية بدائية ولا تلبي احتياجات الناس .
وقال الجهازً: الأمطار التى يشهدها القطاع حاليا مجرد بداية لفصل شتاء قاسٍ قد يشهد مآسي كبرى، مع خطر انهيار المنازل المتصدعة والمتضررة بفعل السيول والأمطار الغزيرة .
حياة كريمة
وأكدت حركة «حماس» أن الوضع المأساوي فى القطاع يؤكد الحاجة الملحة والعاجلة للإغاثة والإيواء، داعيةً الضامنين للاتفاق، والأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، إلى ضرورة التحرك العاجل لإيصال الإمدادات الإنسانية والطبية والإيوائية إلى غزة .
وشددت حماس على ضرورة رفع مستوى الدعم الميداني والشعبي والرسمي، بما يضمن حماية النازحين، وتوفير الحد الأدنى لهم من متطلبات الحياة الكريمة في ظل الواقع الكارثي.
أيام صعبة
حول هذه الأزمة قالت ريهام الكفارنة (49 عاماً)، من سكان بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة : أعيش في خيمة مع أسرتي المكونة من 7 أفراد، مشيرة إلى أنها عاشت أصعب أيام النزوح بفعل الأمطار التي غمرت خيمتها، مما تسبب في غرق الفراش والأغطية وملابس جميع أفراد الأسرة.
وأضافت ريهام الكفارنة : خلال الأسبوع الماضى كانت الأمطار غزيرة وهذا أثر على الخيام والملابس ولم نعد نجد مكانا ننام فيه، مشيرة إلى أن أمواج البحر ارتفعت بشكل كبير وارتطمت بحوافّ اللسان البحري للميناء، قبل أن تدخل أجزاء منها إلى الخيام، مما زاد من صعوبة الأمر على آلاف العائلات التي تعيش في الأماكن المحيطة بحافة اللسان في ظروف صعبة .
وأشارت إلى أنه بعد توقف الحرب، كنا نعتقد أن ظروفنا ستصبح أفضل، وسيتم إدخال الكرفانات والخيام الجيدة لإيوائنا، لكن لم نرَ شيئاً سوى مزيد من خراب البيوت.
وتابعت ريهام الكفارنة : إحنا تعبنا وزهقنا من هذا الحال، بدِّنا نعيش مثل الناس.. الشتاء بأوله وجايّة أيام صعبة علينا، مشان هيك بدّنا حدا يحلّنا.
الشجاعية
على أطراف الجزء الغربي من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، يعيش أكثر من 120 عائلة، في خيام مهترئة وممزقة، تعرضت جميعها للغرق فى مياه الأمطار .
وقال رامي أبو سكران (31 عاماً)، إنه وزوجته واثنين من أطفاله، يعيشون في خيمة لا تتعدى الأمتار الثلاثة، لكنهم مجبرون على العيش فيها في ظل عدم قدرته على توفير بيت بالإيجار مما تبقى من بيوت، أو حتى محل فارغ للبقاء فيه ليقي نفسه وعائلته من الشتاء والأمراض التي قد تصيبهم.
وأضاف أبو سكران : أطفالي مصابون بالإنفلونزا والآن مع ظروف الشتاء والبرد باتت أحوالهم الصحية أسوأ، مشيراً إلى أن خيمته تعرضت للغرق ، واضطر إلى المبيت، في غرفة صغيرة داخل أحد المنازل الفارغة المتضررة ، ولا يستطيع العيش فيها خشيةً من انهيارها في أي لحظة.
وأشار إلى أن خيمته غمرتها الأمطار ومياه الصرف الصحي ، في ظل تضرر البنية التحتية ، وعدم وجود آبار لتصريف المياه، وقال أبو سكران : مش عارفين وين نروح وشو نعمل، أزمات الحياة بتلاحقنا وما فيه حدا شايفنا ولا مستعد يقف معنا .