قبل يومين ظهر رئيس الانقلاب عبالفتاح السيسي يقول لاصحاب العمم : "خليكم حراس الحرية مش العقيدة واتكلموا عن ربنا مش الشريعة." وفي وقت سكت المتخصصون من الأزهر الشريف أو الإفتاء يخبره أن اصمت يا جاهل، دشن خلال الساعات الماضية (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) دورة على مدار يوم كامل، جمعت بين التأصيل العلمي والتطبيق العملي عبر ورشات تفاعلية وجلسات نقاش معمّقة تناولت العقيدة ومقاصدها.
وعكست كلمات المشاركين الأثر العلمي لهذه الدورة، وما أحدثته من إضاءات معرفية في فهم العقيدة ومقاصدها.
وعبّر الطلبة والأكاديميون عن أن الدورة أضاءت لهم جوانب جديدة في فهم العقيدة من منظور مقاصدي وأكدوا أن الجمع بين النظرية والتطبيق جعل الفائدة ملموسة، وأن النقاشات التفاعلية ساعدت على ترسيخ المفاهيم.
ووصف بعض المشاركين الدورة بأنها نقلة نوعية في دراسة العقيدة، لأنها تربط بين النصوص والمقاصد العملية.
وعززت الدورة بحسب منصات "الاتحاد" فكرة أن العقيدة ليست مجرد نصوص جامدة، بل لها مقاصد عليا مثل حفظ الدين، وبناء الهوية، وتحقيق الطمأنينة، وترسيخ القيم، وساهمت في توسيع دائرة النقاش العلمي حول العقيدة، وربطها بالواقع المعاصر.
وشكلت الدورة جزءًا من مشروع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لنشر الفكر المقاصدي في مختلف العلوم الشرعية.
ومقاصد العقيدة تجمع بين العمق العلمي والتفاعل العملي.
https://x.com/iumsonline/status/1995105418238918962
واعتبر مراقبون أن جملة السيسي لتنحية الشريعة والعقيدة في فلتات لسانه التي لم يعتذر عنها، تعكس توجهًا رسميًا لإبعاد المؤسسة العسكرية عن المرجعية الدينية، وحصر دورها في حماية الدولة وفق مفاهيم الحرية والسيادة.
وأشاروا إلى أنها أيضا محاولة لرسم خط فاصل بين الدين كإيمان شخصي وبين الشريعة كقانون سياسي، بحيث يُسمح بالحديث عن الدين في إطار وجداني، لكن يُمنع تحويله إلى مشروع سياسي.
ومعنى كلام السيسي: "لا تجعلوا العقيدة أو الشريعة مرجعيتكم في المجال العام، بل اجعلوا الحرية والدولة هي المرجعية.".
وهناك تصريحات أخرى لعبد الفتاح السيسي تحمل نفس الطابع الصارخ أو غير المألوف مثل عبارة "حضرتك يا رب"، حيث يمزج بين لغة دينية أو وجدانية وبين خطاب مباشر غير تقليدي، وأحيانًا بشكل عفوي يثير جدلًا واسعًا.
"يا رب يقبلني" (نوفمبر 2024): خلال اجتماع مع قادة القوات المسلحة بالعاصمة الإدارية، قال السيسي للمتحدث العسكري: "هما يومين على وش الدنيا وبعد كده هنموت.. وتحت بقى يا رب يقبلني".
"لازم ناخد هبرة" (فبراير 2024): في احتفالية "قادرون باختلاف"، قال السيسي لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي: "لازم ناخد هبرة" في إشارة إلى تخصيص مبالغ مالية لدعم صندوق ذوي الهمم.
وهي عبارات تكشف عن أسلوب شخصي غير تقليدي في خطاب رسمي بلغة غير معتادة بل غير منضبطة عقديا في الخطاب الرسمي لرؤساء الدول، خاصة في سياقات عسكرية أو دينية أو اقتصادية.
وكتب الشيخ محمد الصغير المستشار السابق بوزارة الأوقاف "هل يمكن أن يشرح لنا السادة الدكاترة معنى الجملة التي ألقيت عليهم في حفل التخرج العسكري: "خليكم حراس الحرية مش العقيدة، واتكلموا عن ربنا مش الشريعة" !؟؟؟".
وأوضح أنه بتحليل المعنى حراس الحرية لا العقيدة: "الرسالة هنا أن دور العسكريين أو الخريجين ليس حماية "العقيدة الدينية" أو المرجعية الشرعية، بل حماية مفهوم "الحرية" كما يعرّفه النظام السياسي.. أي أن المرجعية ليست الدين أو العقيدة، وإنما قيم الدولة الحديثة التي تُقدَّم تحت شعار الحرية.
وأن تحليل معنى "اتكلموا عن ربنا لا الشريعة" هو يقصد "التفريق بين "الله" كرمز إيماني عام وبين "الشريعة" كمنظومة قانونية وتشريعية.
والمعنى أن يُسمح بالخطاب الديني الروحي (ذكر الله، والدعاء، والقيم العامة)، لكن دون الدخول في تفاصيل تطبيق الشريعة أو المطالبة بها كمرجعية سياسية أو قانونية.
وثيقة سياسية
وقال الأكاديمي والباحث د. طارق الزمر @drtarekelzomor: "خطاب السيسي ليس مجرد حديث إلى الدعاة، بل هو وثيقة سياسية تعبر عن مشروع حكم يريد: دينًا بلا عقيدة أو شريعة، حرية بلا مضمون، دعاة بلا تأثير، مجتمعًا بلا هوية مشتركة، ومجالًا دينيًا مُفرغًا من أي قدرة على المعارضة أو النقد أو التعبئة.
واعتبره ".. خطاب يؤسس لـ “إسلام الدولة” الذي يحل محل “إسلام المجتمع”، ويهدف إلى إعادة تشكيل العلاقة بين الدين والسلطة بما يخدم بقاء النظام واستدامة قبضته على المجال العام. لكن التجارب العالمية تؤكد أن:
•الدين لا يُختزل بقرار،
•والهوية لا تُصادر بخطاب،
•والفراغ القيمي لا يستمر طويلاً،
•وأن المجتمعات – وليس الأنظمة – هي التي تملك الكلمة الأخيرة في تعريف دينها وفهمها لذاتها.
https://x.com/drtarekelzomor/status/1994635833551323276
الناشط يحيى غنيم @YahyaGhoniem "إيووووه، لازم الأزهر يترك حراسة العقيدة وحراسة الشريعة، ويتخصص فى حراسة الحريات!
وإياك عقلك يوزك إنها حرية المعارضة، أو حرية المناكفة، أو حرية الترشح لرئاسة الجمهورية أو حتى البلدية، هى فقط حرية نقد الإسلام، والكفر بالإسلام، وحرية الإيمان بالديانة الإبراهيمية كمان!
https://x.com/YahyaGhoniem/status/1995186577140797802
وقال مراقبون إن الجملة ليست مجرد نصيحة، بل هي إشارة أيديولوجية فمطلوب من العسكريين أن يكونوا حماة النظام والدولة تحت شعار الحرية وأن يبتعدوا عن أي خطاب يوحي بارتباطهم بالشريعة أو العقيدة كمرجعية سياسية.
واعتبرها محللون صياغة موجزة لسياسة "فصل الدين عن الدولة" في المجال العسكري، مع السماح بالخطاب الروحي العام دون التطرق إلى الشريعة كقانون.
علم مقاصد الشريعة
وعلم مقاصد الشريعة هو العلم الذي يدرس الغايات الكبرى للشريعة الإسلامية، مثل حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل، ويقسمها إلى ضرورية وحاجية وتحسينية. وأهميته تكمن في أنه يمنح الشريعة مرونة وصلاحية دائمة، ويجعل الفقه أكثر قدرة على مواجهة التحديات المعاصرة.
ومقاصد الشريعة هو أحد فروع علم أصول الفقه، ويعنى بدراسة الغايات والوظائف الكبرى التي قصدها الشرع من وراء الأحكام، ويُعرف أيضًا بـ "المقاصد الشرعية"، وهو علم يربط بين النصوص الشرعية ومصالح الناس في الدنيا والآخرة.
والمقاصد جمع مقصد، أي الغاية أو الهدف أو الاتجاه الصحيح واصطلاحًا: هي الحِكَم والغايات التي شرع الله الأحكام من أجل تحقيقها، مثل تحقيق مصالح المكلفين ودفع المفاسد عنهم.
مستويات علم المقاصد رئيسية وفق تصنيف العلماء:
الضروريات: وهي الأساسيات التي لا تقوم الحياة بدونها، مثل حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.
الحاجيات: ما يرفع الحرج والمشقة عن الناس، مثل الرخص الشرعية في السفر أو المرض.
التحسينيات: ما يكمل حياة الناس بالجمال والأخلاق، مثل آداب اللباس والطعام.
وتبرز أهمية العلم؛ في إبراز روح التشريع: يوضح أن الأحكام ليست مجرد أوامر ونواهٍ، بل لها أهداف عليا.
المرونة عبر الزمن: يساعد على تطبيق الشريعة في مختلف العصور والأماكن بما يحقق مصالح الناس.
فهم النصوص الشرعية: يوجه الفقيه لفهم النصوص في سياقها المقاصدي، مما يمنع الجمود أو سوء التطبيق.
التوازن بين النص والمصلحة: يربط بين النصوص الشرعية ومصالح الناس الواقعية، فيحقق العدالة والرحمة.